فيشعر بما يعانونه طول عامهم من الجوع والعطش، فيتحرك قلبه ويؤنِّبه ضميره على النعم التي يتقلب بها، ولا يحس بعِظَمِها أو قدرها، فينفق من ماله، ويُخرج من مما أعطاه الله صدقة لهم.
إن إحدى ثمرات الصيام هي الشعور بالفقراء، ومد يد العون للمحتاجين، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: فأي الصدقة أفضل؟ قال صدقةٌ في رمضان»، وقد كان صلى الله عليه وسلم كثير الصدقة في رمضان، كثير الجود عند صيامه، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان أجودَ من الريح المرسلة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة»
هذا خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان، يسارع في الإحسان إلى الآخرين، ويُقدم الخير للناس، لا يخشى فقرًا، أو يَمنعه شحًّا ولسان حاله: «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ» الحديد: 18 فالله سبحانه يخلف لعبادة ما انفقوه، ويضاعف لهم ما أعطوه، وقد أمرنا ربنا بالاقتداء بنبيه والتأسي به في كل شؤونه؛
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن تكلم على خُلق النبي في رمضان من كثرة الصدقة والمسارعة في الانفاق: إذا فهِمت ما تقدم من أخلاقه، فينبغي على الأمة التأسي والاقتداء به في السخاء والكرم والجُود، والإكثارُ من ذلك في شهر رمضان لحاجة الناس فيه إلى البر والإحسان، ولشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه».
فحري بالمسلم أن يكون في هذا الشهر من أكثر وأسرع الناس إنفاقًا، لِما يرى من الأجور العظيمة والثمرات الجليلة في الإنفاق في سبيل الله، فما نقصت صدقة من مالٍ، وما أنفق عبد نفقة إلا زادَه الله بها غنًى، وأخلفَ له منها خيرًا؛ قال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» البقرة: 261.
والصدقة في رمضان لها وجوه عدة، وصور كثيرة؛ كتفطير الصائمين، فإنه من أفطر صائمًا، كان له مثل أجره لا ينقص من أجر الصائم شيئًا، فمن أراد أن يضاعف له الأجر وينال ثواب الصائمين، فليُكثر من تفطير الصائمين، وإطعام الفقراء البائسين، ومن صور الصدقة إطعام الطعام، وسد جوع الجائعين المعوزين، فوالله لا يكتمل إيمان مسلم بات متخمًا شبعانَ وجارُه جائعٌ لا يجد ما يسد جوعه، أو يُطعم أهله، ومن صورها مد يد العون لإخوانك المسلمين المحتاجين في كل مكان، فهم والله بأمسِّ الحاجة إلى درهمٍ تتصدَّق به، فكم من الأموال ننفقها على أمور لا قيمة لها، وإذا دُعينا إلى الصدقة بالقليل تكاثَرْناها وتثاقلنا عنها، إنه التوفيق والحرمان، فرمضان شهر الجود والإنفاق في سبيل الله بمعناه الواسع الكبير، فهذا يجود
بمال وذاك يجود بكلمة طيبة، وهذا بجهد في عمل يخدم الإسلام ويرفع كلمة الدين، فالسعيد مَن وُفِّق للخير وسارع في أبواب البر والصدقة.
وينبغي أن نربي أنفسنا وأبناءنا في هذا الشهر على الصدقة ولو بالقليل؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، فالصدقة ليست بكثرتها، فقد تكون من المتصدِّقين بقليل تُخرجه لمسكين أو فقير،