وهي فتح إيمانيٌّ مِن الله للعبد، ويكفي في فضلها أنها تطفئ غضَبَ الربِّ؛ فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «الصَّدقةُ تُطفئُ غضَبَ الرَّبِّ، وتدفَعُ مِيتةَ السُّوءِ»؛
وحريٌّ بالمؤمن أن يغتنم الفرصةَ وينوِّعَ مِن الصدقات ما بين مالٍ ومطعومٍ وملبوسٍ وغيرها من صور النفع؛ لكفاية الفقراء والمعوزين عن الحاجة في قابل أيام العيد، فكلَّما عمَّتِ الفائدة وزاد النفع لأهل الحاجات، زاد الأجرُ والثواب.
وفي العشر الأواخر هناك عبادات مستمرَّة، وعبادات متجدِّدة تأتي في نهاية الشَّهر لتكون مِسك الختام.
فمن العبادات المستمرَّة أن يحافظ الصَّائمون على حضور الجماعات، وتلاوةِ القرآن، وحضورِ مجالس العلم ومجالس الذِّكر، والصَّدقات وزيارة المرضى، وصِلَة الأرحام وإكرام الجيران، وقيام الليل وإطعام الطعام، وغيرها مِن العبادات التي يتعانق فيها الإيمان مع تطلُّعات القلوب الأوَّابَةِ إلى ربها.
وفي العشر الأواخر ينشطُ العابدون بالهمَّة والاستعداد مِن جديد؛ فالهمَّةُ طريقُ القِمَّة، وزيادة على قيام الليل الذي يَعمرون به المساجد من الليل في أوله فإنهم يزيدون مِن همَّتهم بالتهجُّد، وهو صلاة يسبقها نوم، ويكون في آخر الليل قبل السحور بوقتٍ يشبع الروح ويملأ القلب ريًّا، قال الله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»الإسراء: 79، وقال تعالى وصفًا عن المتقين: «كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ» الذاريات: 17، وقال عن عباد الرحمن: «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا» الفرقان: 64، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تهجَّد النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتي، وتهجَّد عبَّاد بن بِشر في المسجد، فسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم صوتَه، فقال: «يا عائشة، هذا عبَّاد بن بشر، اللهمَّ ارحم عبَّادًا»
ومن صور الاجتهاد المأثورة في العشر الأواخر عن خير البشَر صلى الله عليه وسلم ما أخبرَتْ به عائشةُ رضي الله عنها قالت: «إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَعتكف العشرَ الأواخر مِن رمضان حتى توفَّاه الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ اعتكف أزواجُه من بعده»؛ صحيح مسلم 1172.
وكان صلى الله عليه وسلم يرتقب ليلةَ القَدر في العشر الأواخر، وأمر أصحابَه بذلك؛ كما ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان ملتمسها فلْيَلتمِسْها في العشر الأواخر»صحيح مسلم 1165
وليحرص الصائمون تمامَ الحرص على بَذْل زكاة الفِطر خلال العشر الأواخر؛ حتى تعمَّ الفائدة، وتدور أخلاف العطاء على الفُقراء والمساكين؛ ليستطيعوا تدبيرَ ما يحتاجون إليه قُبيل العيد؛ وبهذا يقتسم الأغنياء والفقراء طعمَ الفرحة بينهم؛ فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُخرجُ صدقةَ الفطرِ قبل أنْ يخرُجَ... عن ابنِ عمرَ بطولهِ...، وفيه: وكان يأمرُنا أنْ نُخرجَها قبلَ الصَّلاةِ، وكان يُقسِّمها قبلَ أن ينصرفَ، ويقولُ: «أَغنوهُمْ عن الطَّوافِ في هذا اليومِ»
ولا شك أنَّ بدائع الإيمان الصَّادق في نفوس المؤمنين تعبِّر دومًا عن حالهم، وتشرح سعيهم، وخصوصًا في خواتيم العمل وخواتيم الوقت؛ ولذلك تكون مكافأتهم المباركة مع الخواتيم، فساعة الإجابة يوم الجمعة تكون قبلَ الغروب، وليلة القدر تكون قبيلَ الختام في رمضان، وتظهر علامات الصلاح لأولياء الله تعالى في خواتيم أعمارهم؛ فمنهم مَن يكون وجهه متهلِّلًا، ومنهم من يموت في الصلاة وهو ساجد، ومنهم مَن يلقى اللهَ تعالى وهو يدعو إليه، ومنهم مَن يلقاه في الجهاد، ومنهم من يموت على وضوء، أو بين دفتي القرآن العظيم.
وعلى أعتاب النِّهايات على الدَّوام يكون آخر توقيعٍ، فاجعلوه طيبًا مشفوعًا بختامه البارز كما نَلْفَاهُ على آخر سطور الأوراق الهامَّةِ في الحياة الدنيا، بيد أنَّ ختام الطاعات سيكون معطرًا بَعَرْفِ القربِ مِن علَّام الغيوب، واتِّباع سنَّة النبي المحبوب صلى الله عليه وسلم، وأكرِمْ به مِن ختامٍ لهذه الأيام المعدودات التي مرَّت على العالَمين كنسمةِ صيفٍ في هجيرِ الحياة.