أبي الحسن الشاذلي الأربعين. كان أبو الحسن علي الأبرقي الملقّب بالحطاب يقطن في مبتدإ حياته منطقة شاذلة بقرب المرناقية (مقامه حاليا) ويكثر من الزهد والتعبّد، ويجدّ في طلب المعارف الدينية والأسرار في العلوم الصوفية وكان له ميل شديد إلى السياحات الروحية وزيارة مقامات الأولياء، مكتفيا ببيع الحطب لتأمين حاجته وحاجة عائلته من الغذاء.
وقد تعرّف إلى أبي الحسن الشاذلي عند قدومه إلى تونس سنة 621هـ/1223م، بعد أن أشار عليه شيخه عبد السلام ابن مشيش بأن ينزل منطقة شاذل بإفريقية. وكان لقاؤهما في مصلّى العيدين بباب منارة فاصطحبه وتتلمذ له في الآن نفسه وأكرم وفادته فكان بذلك الإمام الشاذلي وعلي الحطاب وأبو حفص عمر الجاسوسي (ت636 هـ/1238م) أبرز ثلاثة قامت عليهم أسس الطريقة الشاذلية في تونس التي اندمجت فيها كذلك حلقة أبي سعيد الباجي (628هـ/1231م) وهو من أساتذة الشاذلي كذلك. وكان ميعاد الباجي ومجلسه ينعقد بربوة المنار (سيدي أبي سعيد حاليا) وجبل التوبة (جبل الزلاج والمغارة الشاذلية حاليا). وقد صار الإمام الشاذلي شيخا لهؤلاء بعد وفاة أبي سعيد الباجي الذي خصّه منذ قدومه من بلاد المغرب بإحاطة علمية وروحية متفردة. وعلى الرغم من تواتر ذكر سيدي علي الحطّاب ووصف جوانب من حياته في سائر كتب التصوّف والتاريخ ومناقب الأولياء فإننا لا نعثر على تاريخ محدد لولادته لكنّنا نعرف أنه كان يشتغل بالتدريس، إذ انتصب مدرّسا بمسجد الصفصافة الكائن بالحاضرة عندما استقرّ بباب الأسواق، ثم استقرّ ب»البحيرة» بضاحية المرناقية لمواصلة إلقاء دروسه بها.
أمّا على الصعيد الاجتماعي فقد كان إلى جانب الأهالي وعامة الناس في وجه مظالم السلطة الحفصية وتجاوزاتها آنذاك وهو ما انتهى إلى توتر بينه وبين السلطان الحفصي. وقد كان للحطاب دور بارز في التصدي للخطر المسيحي الذي هدّد تونس عندما شنت عليها حملة صليبيّة قادها القدّيس لويس سنة 1270م. ويظهر أن علي الحطاب كان في مقدمة شيوخ التصوّف ومريدي الطريقة الشاذلية بعد عودة أبي الحسن الشاذلي الثانية إلى مصر، وهو ما ظلّ يتأكد على مرّ الزمن بتنظيم خرجة سيدي علي الحطاب التي كانت تقام بمقامه كل سنة من آخر فصل الربيع، ويسهر على إقامة هذه الخرجة مريدو الطريقة الشاذلية. وبعدها تبدأ أسابيع الذكر والانشاد والتلاوة بأعلى مقام الشاذلي بجبل الزلاج بتونس كل يوم خميس ليلا، وعلى امتداد 14 أسبوعا.