لأنَّ النَّار حارةٌ ومحْرِقة ومُهْلكة، فأمر الله هذه النارَ أن تكون بردًا وسلامًا عليه، فكانت بردًا وسلامًا.
والمفسرون بعضهم ينقل عن بني إسرائيل في هذه القصة، أنَّ الله لما قال: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ» الأنبياء: من الآية69 صارت جميع نيران الدنيا برْدًا! وهذا ليس بصحيحٍ، لأنَّ الله وجَّه الخطاب إلى نار معَّينةٍ «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا» وعلماء النحو يقولون: إنَّه إذا جاء التركيبُ على هذا الوجه، صار نكرةً مقصودةً، أي: لا يشملُ كلَّ نار، بل هو للنار التي ألْقي فيها إبراهيم فقط، وهذا هو الصَّحيحُ، وبقيَّة نيرانِ الدنيا بقيتْ على ما هي عليه.
وقال العلماءُ - أيضا -: ولمَّا قال الله: «كُونِي بَرْدًا» قرن ذلك بقوله: «وَسَلامًا» لأنَّه لو اكتفَي بقوله: «بَرْدًا» لكانت بردًا حتَّى تُهلِكَه، لأنَّ كلَّ شيءٍ يمتثلُ لأمر الله عزَّ وجلَّ، انظر إلى قولِه تعالى: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا» فصلت: من الآية 11 فماذا قالتا: «قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» فصلت: من الآية 11، «قَالَتَا أَتَيْنَا» منقادين لأمر اللهِ عزَّ وجلَّ.
أمَّا الخليل الثَّاني الذي قال: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، فهو النبيُّ صلي الله عليه وسلم وأصحابِه، حين رجعوا من أُحُدٍ، قيل لهم: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوْا لَكُمْ»، يريدون: أن يأتوا إلى المدينة ويقضوا عليكم، فقالوا: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ». قال الله تعالى: «فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» آل عمران: 174.
فينْبغي لكلِّ إنسانٍ رأى منَ النَّاسِ جمعًا له، أو عدْوانًا عليه، أنْ يقولَ: «حَسْبنا اللهُ ونَعْمَ الوكيل»، فإذا قال هكذا كفاه الله شرَّهم، كما كفَي إبراهيمَ ومحمّدًا عليهما الصلاة والسلام، فاجعل هذه الكلمة دائمًا على بالك، إذا رأيتَ من الناسِ عدوانًا عليك، فقلْ: «حسْبي اللهُ ونعم الوكيل»، يَكْفكَ اللهُ عزَ وجلَّ شرَّهم وهمَّهم.