القرآنيات: روضة الأخوّة الإيمانية

قال - تبارك وتعالى -: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» الحجرات: 10 وقال - تبارك وتعالى -:

«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» التوبة: 71.

 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أُظِلهم في ظلي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي»؛ رواه مسلم.

 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلاَ أدلُّكم على شيء إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشُوا السلام بينكم»؛ رواه مسلم.

 وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث مَن كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرَه أن يُقذَف في النار»؛ متفق عليه.

 في هذه الروضة العظيمة والمِنحة الربانية في هذا الشهر الكريم يجمع بالصيام المفترِق، ويجتمع في الصائمين المختلف، وتقف الفوارق فلا تعمل؛ فالكل في حالة واحدة، عبادتهم واحدة، وقلوبهم متقارِبة، ومساجدهم تجمع أبدانهم فتصفو قلوبهم.

 روضة الأخوة الإيمانية ينتعِش سوقها ويَقوَى عودُها وينتشر رحيقها في رمضان؛ فالقلوب مع الله - تبارك وتعالى - وإلى الله - تبارك وتعالى - متَّجِهة، واللقاءات المتتالية في صلاة الجماعات وقيام الليل والتراويح والقراءات ومجالس الذِّكر تُقرِّب البعيد، وتقطع الشكَّ باليقين بأن المؤمن للمؤمن، والمسلم أخو المسلم.

 يجمع الناس شهر واحد وفرض واحد وصفٌّ واحد، وكتاب واحد وحكم واحد، فيرتفع الشعور بأن الكل واحد وتذوب الفردية وتختفي الأنانية إلا ممن سيطر عليه المرض، وتحكَّم في قلبه وبدنه الداء، فهو لا يرى إلا نفسه ولا يعرف إلا ذاته.

 فالإفطار جماعي، والصلاة جماعة، والتراويح جماعة والاعتكاف جماعة، والعيد جماعة والصوم جماعة، فلا مُقام للفردية عند الصائم الحقيقي، فتتجلى الأخوة، وتتحلَّى بأحلى صورِها وأجمل زينتِها، ويصبح الإحساس بالآخر جزءًا من الصيام؛ فالجوع يُذكِّر والأكل يُذكِّر، والمسجد يُذكِّر، والصلاة تُذكِّر ليتيقِّن القلب أن هذه هي الحقيقة.

 تذوب الفوارق مهما كانت إذا صدقت القلوب في أخوتها وزاد إيمانها، وعليه أقامت علاقتها وتعامُلها، فالحب بالإيمان والبُغض لأجل الإيمان والصِّلة بالإيمان والقرب والبُعد بميزان الإيمان، فهنيئًا لمن جعل الإيمان قائدَه ودليلَه وأصل تعامُله، فالنور سيعلو حركاته ويَسبِق خُطواته، والتوفيق مُلازِم أقواله وأفعاله، فهو بالله ولله ومع الله.

 روضة الأخوة في رمضان تظهر في وَحدة المشاعر والشعائر، فتغلب باقي الروابط من عصبيات وانتماءات ومصالح وقربات، فيتذوق أهل الإيمان الحبَّ في الله - تبارك وتعالى - في هذا الشهر بأطيب مذاق فيُبغِضون كلَّ العصبيات، وفعلاً يتحققون أنها جاهليات.

 يهتز القلب طربًا، وتعلو النفس نشوة إيمانيَّة خلال أيام وليالي رمضان إذا ابتعد بها عن الهوى وحظوظ النفس، وتخلَّص من أسرِ التعصب، أما من صعُب عليه الانفكاك من تلك القيود فبعيد بعيد جدًّا أن يعرف لونًا أو يذوق طعمًا أو يَشَم ريحًا للأخوة الإيمانية الصادقة الصافية، وإن ادعى فالمدعون كُثر، وما كل مُدَّعٍ تُقبَل دعواه، فعلى المدَّعي البيِّنة.

 أيها الصائم القائم، فرصتك بين يديك لتَنعَم بنعيم هذه الجنَّة، جنة الأخوة الإيمانية، وتعيش رمضان بروح الفريق وقلب الجميع ونفس الكل، بلا فوارق حادثة، وليكن الإيمان هو مقياسك وأساس تعامُلك، فأحبِب بقدر زيادته، وأَبغِض بقدر غيابه أو ضعْفه، فتلك عروة وأي عروة! «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»

 ودَعْ عنك فساد أهل الزمان وغياب القدوات، وما به من طوام وهوام في هذا الجانب، وكن في الجانب الذي يحبه الله - سبحانه وتعالى - ويحبه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذا هو سبيل النجاة وبين يديك جنة أو نار.

 وإن لاقيت مشقَّةً أو عتابًا، فاصبر فكل ذلك يهون، بل لا يَعدِل شيئًا أمام لذيذ رضا الرحمن، ونعيم الحب في الله في الدنيا والآخرة والله المستعان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115