واحة رمضان: من المقاصد التربوية للصيام (4)

• الانضباط واحترام المواعد وتقدير الوقت، وهذا المقصد مستفاد من قوله تعالى: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ

مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» في آية سورة البقرة السالفة؛ لأن الصائم الذي يُمسك عن الطعام والشراب والجماع، عند أول كلمة يرفعها المؤذن لصلاة الفجر: «الله أكبر»، ولا يتجرأ أن يستمر ويتمادى في الأكل والشرب، ويُفطر كذلك عند أذان المغرب مباشرة، ولا يمكنه أن يفطر قبله ولو ببُرهةٍ من الزمان، لا يمكن لهذا الصائم الذي عاش هذه الأحوال الانضباطية في مدرسة الصيام هاته، أن يُخْلف وعدًا، أو يُهدر وقتًا بعد خروج رمضان؛ لأنه - بكل بساطة - تدرَّب على فضيلة تقدير الوقت واحترام المواعيد في مدرسة الصيام.

• الصبرُ وضبطُ النفس والتخلي عن الخبائث:
من المدرسة الرمضانية يتزوَّد الإنسان بشحنة الصبر؛ ليتخرج من هذه المدرسة وقد كمُلت نفسُه، وصُقِلتْ رُوحُه، ومُلِئَتْ جوانبُه بطاقات ضبط النفس، فيواجه ما يَعترضه من شدائد الحياة، ومِحن الزمان، بكل رَويَّة وتعَقُّل، وجَلَدٍ وتَبَصُّر؛ لأن كُنْه الصبر هو «قوة خلقية تُمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمُّل المتاعب والمشقات والآلام، وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع، والسأَم والملَل، والعَجلة والرُّعونة، والغضب والطيش، والخوف والطمع، والأهواء والشهوات ...، فالصبر ضرورة حياتية لكل عمل نافعٍ، فكسبُ الرزق يحتاج إلى صبر، ومعاملة الناس تحتاج إلى صبرٍ، والقيام بالواجبات والمطلوبات الدينية يحتاج إلى صبر، والكف عن المحرَّمات والمكروهات يحتاج إلى صبر، ومقارعة شدائد الحياة ومقاومة مكارهها، وتحمُّل تكاليفها ومشاقِّها يحتاج إلى صبر، وهكذا...؛ لذلك كان الإنسان بحاجةٍ في كل سنة إلى دورة تدريبية يتدرَّب فيها على خُلق الصبر، وشهر رمضان هو شهر هذه الدورة الخلقية العظيمة الرائعة».

 أضِف إلى ذلك أن المتخرّج من المدرسة الرمضانية، يهون عليه تركُ كلِّ خبيث وضارٍّ؛ لأنه كما كان قادِرًا أن يصبرَ على آلام الجوع ولسعات العطش مدة غير يسيرةٍ، فإنه قادرٌ كذلك أن يصبر على ما هو أهون من ذلك وأيسر؛ لأن حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب أشدُّ ما يكون على الإطلاق.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115