يدعون إلى الله بإذنه. ونحوه قوله سبحانه: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا»(السجدة:24)، أي: يدعون الناس إلى ديننا بأمرنا.
بمعنى الدلالة والإرشاد، ومنه قوله تعالى: «وعلامات وبالنجم هم يهتدون»(النحل:16)، أي: جعل سبحانه النجوم في السماء دلائل للناس على طرقهم ومسارهم. ونحوه قوله سبحانه: «أن يهديني سواء السبيل»(الأنبياء:31)، سأل موسى عليه السلام ربه أن يدله على أقصد الطريق بحيث أنه لا يضل. ونحوه أيضاً قوله تعالى: «أو أجد على النار هدى»(طه:10)، أي:
أجد عند النار من يدلني على الطريق .
بمعنى أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى»(البقرة:159)، قال أبو حيان: (الهدى): أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته واتباعه. ونحوه قوله سبحانه: «من بعد ما تبين لهم الهدى»(محمد:25،32)، قال قتادة: نزلت في قوم من اليهود، كانوا عرفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من التوراة، وتبين لهم
بهذا الوجه، فلما باشروا أمره حسدوه، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى .
بمعنى القرآن، ومنه قوله تعالى: «وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى»(الإسراء:94)، أي: ما منع الناس الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم. ونحوه قوله سبحانه: «ولقد جاءهم من ربهم الهدى»(النجم:23).
بمعنى التوراة، ومنه قوله تعالى: «ولقد آتينا موسى الهدى»(غافر:53)، أي: التوراة. وهذا على معنى في الآية.
بمعنى التوحيد، ومنه قوله تعالى: «أرسل رسوله بالهدى»(التوبة:33)، قال أبو حيان: (الهدى): التوحيد، أو القرآن، أو بيان الفرائض. ونحوه قوله سبحانه: «وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا»(القصص:57)، قال مجاهد وغيره: نزلت في أبي طالب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قل لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة)، قال: لولا أن تعيرني
قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك.
بمعنى نهج الأنبياء السابقين، ومنه قوله تعالى: «فبهداهم اقتده»(الأنعام:90)، روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أُمِرَ أن يقتدي بهم. رواه البخاري.
بمعنى الإلهام، ومنه قوله تعالى: «أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»(طه:50)، قال المفسرون: معناه ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها. ونحوه قوله سبحانه: «والذي قدر فهدى»(الأعلى:3)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عرَّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى.
بمعنى التسديد والتصويب، ومنه قوله تعالى: «وأن الله لا يهدي كيد الخائنين»(يوسف:53)، أي: لا يصوبه ولا يسدده. ونحوه قوله تعالى: «أرأيت إن كان على الهدى»(العلق:11)، أي: فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه، إن كان على صواب وطريق مستقيم في فعله؟
بمعنى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: «فإما يأتينكم مني هدى»(البقرة:38)، أي: رسول. وهذا على قول في الآية.
بمعنى الرشد، ومنه قوله تعالى: «فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين»(البقرة:16)، أي: راشدين في صنيعهم ذلك. ونحوه قوله سبحانه: «قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين»(الأنعام:56)، يقول: ما أنا من الراشدين إن اتبعت أهواءكم .
بمعنى التفضيل، ومنه قوله تعالى: «ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا»(النساء:51)، أي: يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم، وقلة دينهم.
بمعنى التقديم، ومنه قوله تعالى: «فاهدوهم إلى صراط الجحيم»(الصافات:23)، قال ابن عباس: دلوهم إلى طريق النار. وقال ابن كيسان: قدموهم. وقال بعض المفسرين: المعنى: سوقوهم سوقاً عنيفاً إلى جهنم.
بمعنى الموت على الإسلام، ومنه قوله تعالى: «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى»(طه:82)، قال قتادة وغيره: أي: لزم الإسلام حتى يموت.
بمعنى التعليم، ومنه قوله تعالى: «ووجدك ضالا فهدى»(الضحى:7)، أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم.
بمعنى الثبات، ومنه قوله تعالى: «اهدنا الصراط المستقيم»(الفاتحة:3)، أي: بَصِّرنا فيه، وثبتنا عليه. قال القرطبي: ثبتنا على الهداية. وهذا كما يقال للقائم: قم حتى أعود إليك. أي: دُمْ على ما أنت عليه.
وإذا أنعمنا النظر في معاني (الهدى) التي جاءت في القرآن الكريم، تبين في المحصلة أنها تعود إلى معنى الإرشاد؛ إذ إن هذا المعنى هو المعنى الأساس الذي تلتقي عليه، وتدور حوله كل تلك المعاني، وهو ما صرح به ابن عطية كما تقدم.
ومن المهم أن نعلم في هذا المقام، أن معرفة المعاني المتعددة للفظ (الهدى)، وغيره من الألفاظ، تعين على فهم القرآن الكريم؛ وذلك أن هذا اللفظ يختلف معناه بحسب السياق الذي يرد فيه .