وملتقى كتب السماء كافة. وهنا نكشف شيئاً عن لفظ (الهدى)، من جهة المعنى اللغوي، ومن جهة توارد هذا اللفظ في القرآن، والمعاني التي ورد عليها.
أمّا من حيث اللغة، فإن لفظ (الهدى) يفيد معنى الإرشاد والدلالة؛ يقال: هداه إلى الطريق وللطريق: أي أرشده ودلَّه إليه. والمسلم يطلب الهداية إلى الطريق المستقيم صباح مساء فيقول: «اهدنا الصراط المستقيم»، أي: أرشدنا يا الله إلى طريق الحق والصواب، ودلنا على ما فيه فلاحنا في الدنيا والآخرة.
وأما من جهة توارد هذه اللفظ في القرآن فحدث ولا حرج، فإن القرآن الكريم بلغ الغاية في الاهتمام بموضوع الهدى والهداية والاهتداء؛ ولذلك تعددت اشتقاقات هذا اللفظ في القرآن، حيث جاء في نحو خمسين ومائتي موضع، وجاء بصيغ متعددة ومتنوعة.
فجاء اسماً بتصرفات مختلفة في خمسة وعشرين ومائة موضع، منها قوله تعالى: «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين»البقرة:2. وقوله سبحانه: «وكفى بربك هاديا ونصيرا» الفرقان:31 وقوله سبحانه: «فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا»الإسراء:48 .
وجاء فعلاً مضارعاً بتصرفات مختلفة في تسعة وأربعين موضعاً، منها قوله سبحانه: «ويهدي به كثيرا»البقرة:26، وقوله سبحانه: «إلا أن يُهدى»يونس:35. وقوله تعالى: «ولا يهتدون سبيلا»النساء:98.
وجاء فعلاً ماضياً بتصرفات مختلفة في سبعة وثلاثين موضعاً، منها قوله تعالى: «وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله»البقرة:143، وقوله سبحانه: «والذين اهتدوا زادهم هدى»محمد:17وقوله تعالى: «وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد» الحج:24 .
وجاء فعل أمر ثلاثة مواضع: أولها: قوله تعالى: «اهدنا الصراط المستقيم» الفاتحة:6. وثانيها: قوله سبحانه»واهدنا إلى سواء الصراط» ص:22. وثالثها: قوله تعالى: «فاهدوهم إلى صراط الجحيم»الصافات:23.
وهذا التوارد الكثيف والمتنوع لهذا اللفظ يُنبئ بمحوريته في القرآن الكريم .
وأما من جهة المعاني التي ورد عليها لفظ (الهدى) في القرآن، فهي كالتالي:
بمعنى البيان، ومنه قوله تعالى: «أولئك على هدى من ربهم»البقرة:5 أي: على نور وبيان وبصيرة. ومثله قوله سبحانه: «إنا هديناه السبيل»الإنسان:3، أي: بيناه له، ووضحناه، وبصرناه به. ونحوه قوله سبحانه: «إن علينا للهدى»الليل:12 يعني البيان. قال قتادة: على الله بيان حلاله وحرامه. ووروده على هذا المعنى كثير في القرآن .
بمعنى دين الإسلام، ومنه قوله تعالى: «إن هدى الله هو الهدى»البقرة:120، أي: إن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل. ونحوه قوله سبحانه: «إنك لعلى هدى مستقيم»الحج:67 .
بمعنى الإيمان، ومنه قوله تعالى: «وزدناهم هدى» الكهف:13، أي: إيماناً وبصيرة. ونحوه قوله سبحانه: «أنحن صددناكم عن الهدى»سبأ:32 أي: أنحن منعناكم عن الإيمان
يتبع