الأخلاقيات: البرّ حقيقته وخصاله (2)

كان الإسلام حقًا منهجهم في حياتهم كلها، دين جاء بما يصلح الدنيا والآخرة، دين جاء بما يقوي روابط المجتمع، دين جاء ليبني

المجتمع المسلم بناءً متكاملاً، بناءً متراصًا، بناءً صادقًا، دين يدعو إلى الحقيقة والصدق والإخلاص: «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا»، صدقوا حيث كان الإيمان والعمل متطابقين، صدقوا حيث طبقوا منهج الله في حياتهم وقبلوا أوامر الله وطبقوا هذه الشريعة وتعاليمها على أنفسهم وعلى المجتمع المسلم، فنالوا بهذا التطبيق الصدق، فصاروا من أهل التقوى: «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ»
 
وهذه قصة تجسّد كلّ هذه المعاني:
​كان عبد الله بن المبارك رجلا صالحا وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودّع أصحابه قبل سفره.. وفي الطريق وجد منظراً ارتعدت له أوصاله. واهتزت له أعصابه!!.​
​وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة.. تضعها تحت ذراعها.. وتنطلق في الخفاء.. فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله ؟​
​فقالت له : يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك : ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك ..​
​فقالت المرأة له : أما وقد أقسمت عليّ بالله .. فلأخبرنَّك .

​​فأجابته دموعها قبل كلماتها : إن الله قد أحل لنا الميتة .. أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. أفمجادلني أنت فيها ؟​
​وهنا تفيض عينا ابن المبارك من الدمع وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج .. وأخذتها أم اليتامى ، ورجعت شاكرة إلى بناتها وعاد ابن المبارك إلى بيته ، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج ، ثم عادوا، وكلهم شكر لعبد الله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج .
​​يقولون : رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم ولا رأينا خيرا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام .
​​

فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لا يريد أن يفصح عن سره .​
​وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له : السلام عليك يا عبد الله ألست تدري من أنا ؟
​​

أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا .
​​

يا عبد الله بن المبارك ، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى .. وسترك كما سترت اليتامى أن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك .. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج .. وإن الله تعالى كتب لكلّ حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115