وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ» الأنعام:90 . وقد اتفقت الأمة على أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم معصومون فيما يتعلق بتبليغ الوحي، فلا يكذبون، ولا ينسون، ولا يغفلون، قال القاضي عياض: «الأنبياء منزَّهون عن النقائص في الخَلق والخُلق «، وقال ابن تيمية: «فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون
به عن الله عز وجل، فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة». وقال ابن حجر: «وعصمة الأنبِياء على نبيِّنا وعليْهِم الصلاة والسلام: حِفْظُهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة».
واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يحالفه فيه الصواب أوِ الأوْلى لا يُخِلُّ بعصمته، لأن وحي الله تعالى معه، فإن أصاب فى اجتهاده لم يأت تنبيه وتصحيح من الله عز وجل، فدلَّ على إقرار رب العزة له، ووجوب متابعته فيه، وإن خالف اجتهاده الأوْلى نزل وحي الله تعالى بالتنبيه والتصويب لما هو أوْلى (مثل ما حدث مع الأسرى في غزوة بدر)، وفي التنبيه والتصحيح يصبح اجتهاده صلى الله عليه وسلم وحْياً وحكماً نهائياً يجب طاعته ويحرم مخالفته، وهذا أهم ما يُفَرَّق به بين اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم واجتهاد علماء أمته.. وأما اجتهاده ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور الدنيا وعدم صوابه فيه فهو لا يتعارض مع نبوته وعصمته، إذ أن الخطأ في أمر من أمور الدنيا ربما يقع من الأنبياء والرسل، ولا يقدح في نبوتهم، ولا يتعارض مع عصمتهم .
وقد استدل بعض المشككين في السنة النبوية وفي عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم برأيه صلوات الله وسلامه عليه في تلقيح المسلمين النخل بالمدينة المنورة وعدم الصواب فيه، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل (يُلقِّحون النخلَ) فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، قال:لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه فنفضت، فذكروا ذلك له فقال:إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما أنا بشر» رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقومٍ يُلقِّحون فقال: لو لم تفعلوا لصلَح، قال فخرج شِيصاً (تمراً رديئاً). فمرَّ بهم فقال: ما لنخلِكم؟ قالوا: قلتَ كذا وكذا، قال: أنتم أعلمُ بأمرِ دنياكم) رواه مسلم. وفي رواية عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن كان ينفعهم ذلك فلْيصنَعوه، فإني إنما ظننتُ ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظنِّ، ولكن إذا حدَّثتُكم عنِ اللهِ شيئًا فخُذوا به، فإني لن أكذبَ على الله عز وجل» رواه مسلم.