منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر».
قال الامام النووي في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم:
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر» وفي رواية: « آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان «هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك . وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر والذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار : أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافق في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم . فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه ، وهذا المعنى موجود في صاحب
هذه الخصال ، ويكون نفاقه في حق من حدثه ، ووعده ، وائتمنه ، وخاصمه ، وعاهده من الناس ، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر . ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار».
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « كان منافقا خالصا » معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال . قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه . فأما من يندر فليس داخلا فيه . فهذا هو المختار في معنى الحديث . وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي - رضي الله عنه - معناه عن العلماء مطلقا فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل . وقال جماعة من العلماء : المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثوا بإيمانهم ، وكذبوا ، واؤتمنوا على دينهم فخانوا ، ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا ، وفجروا في خصوماتهم . وهذا قول سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح . ورجع إليه الحسن البصري - رحمه الله - بعد أن كان على خلافه . وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - ، وروياه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال القاضي عياض - رحمه الله - : وإليه مال كثير من أئمتنا . وحكى الخطابي - رحمه الله - قولا آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق . وحكى الخطابي : - رحمه الله - أيضا عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يواجههم بصريح القول ، فيقول: فلان منافق ، وإنما كان يشير إشارة كقوله - صلى الله عليه وسلم - ما بال أقوام يفعلون كذا ؟ والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأولى : ( أربع من كن فيه كان منافقا) وفي الرواية الأخرى ( آية المنافق ثلاث ) فلا منافاة بينهما فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منهن تحصل بها صفته ، ثم قد تكون تلك العلامة شيئا واحدا ، وقد تكون أشياء . والله أعلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا عاهد غدر ) هو داخل في قوله : ( وإذا اؤتمن خان ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإن خاصم فجر ) أي مال عن الحق ، وقال الباطل والكذب . قال أهل اللغة . وأصل الفجور الميل عن القصد.