لو اجتمع الإنس والجن والفصحاء والبلغاء على أن يأتوا بمثله ما استطاعوا، قال سبحانه «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» الزمر:23
أعيا الفصحاء، وأعجز البلغاء، وأخرس الخطباء، ولم يكن بنظم شاعر، ولا سجع كاهن، ولا بقول إنس، ولا جن.
له حلاوة، وعليه طلاوة، أسفله مغدق، وأعلاه مثمر، إنّه القرآن الكريم، كلام رب العالمين، وحبل الله المتين، والنور المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل، ليس بالهزل، والشفاء الناجع، والعصمة لمن تمسك به، والنجاة لمن اتبعه.
به تحيا القلوب وتطمئن، جعله الله نوراً يهدي به من شاء من عباده، قال سبحانه» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ «الشورى:52 نافع لقارئه في الدنيا والآخرة، شافع لأصحابه، مشفع فيهم، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار.
أخرج مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة» أخرجه مسلم.
في القرآن الأجر والثواب، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ» فاطر:29.
أخرج الترمذي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قرأ حرفاً من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن.
وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها» أخرجه أبو داود.
وما أحسن وأجمل قراءة القرآن للصائم في رمضان! وما ألذ حروفه في اللسان، وألطف وقعها على القلوب، كيف لا وبينهما علاقة وطيدة، فرمضان هو شهر القرآن، قال الله سبحانه «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» البقرة:185.
فحين يفرغ البطن من الطعام يكون للقرآن أثر بالغ على القلب، وهنا يأتي التدبر لكلام الله، وشهر رمضان موسم خصب للتدبر، حيث يكون البطن خالياً، والذهن صافياً.