هويتنا الدينيّة: دور القيروان في تأصيل العقيدة الأشعرية بالبلاد التونسية ونشرها

 لطالما كانت تونس أو إفريقية بوّابة الغرب الإسلامي ومعبر الآراء والمذاهب إليه تونس وخاصة حاضرة القيروان.ومن أوائل الذين نشروا الأشعرية

بالقيروان أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الزبيدي المعروف بالقلانسي (ت 359هـ). وقد كان ابن أبي زيد القيرواني على صلة علمية بأبي عبد الله بن مجاهد البصري (ت 370هـ) تلاميذ الإمام أبي الحسن الأشعري حتى إن بعض المصادر جزمت بتحول ابن أبي زيد إلى المذهب الأشعري بعد كتابته لرسالته الشهيرة التي جاءت مقدمتها العقدية على مذهب السلف في تفويض معاني الصفات الالاهية وتجنب التشبيه والتجسيم ..وكان لتلاميذ الإمام أبي بكر الباقلاني (ت 403هـ) -وهو من أعلام المالكية والأشعرية في الآن نفسه- دور بالغ الأهمية في نشر الأشعرية بتونس. ومنهم أبو الحسن القابسي (ت 403هـ)؛ وأبو عمران الفاسي (ت 430هـ) الذي استقر بالقيروان بعد عودته من المشرق.

وفي الفترة نفسها تقريبا كان العلماء الذين عادوا من الرحلة إلى المشرق ينشرون الأشعرية في أقصى الغرب الإسلامي أي في الأندلس. ومنهم الإمام أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (ت 392هـ)، وأبو عمرو الداني المقرئ (ت 444هـ)، والقاضي أبو الوليد الباجي (ت 474هـ).

ومن أبرز العلماء الذين نشروا الأشعرية في المغرب الاسلامي وبلاد الأندلس أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي القيرواني (ت 489هـ) صاحب «التجريد في علم الكلام»، وتلميذه أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير (ت 520هـ) شيخ القاضي عياض وصاحب أرجوزة وافية في العقيدة. ومنهم أبو عبد الله محمد بن خلف الإلبيري (ت 537هـ) صاحب «الأصول إلى معرفة الله والرسول» و»الرد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء».

وظلت الأشعرية في عهد المرابطين حبيسة الأوساط العلمية؛ لأنهم كانوا شديدي التحفظ مما يمكن أن يزعزع الوحدة الدينية والمذهبية للمجتمع. وكانت نزعة المحافظة عند طائفة من العلماء المقربين من أمراء المرابطين وحرص طائفة أخرى على إرضائهم من أسباب هذا الوضع.

ومع الموحّدين –الذين وظّفوا قضايا العقيدة في نزع المشروعية من المرابطين واتهموهم بالتشبيه والتجسيم- ستعرف الأشعرية بالمغرب مرحلة مد عام وكاسح لتكامل الأدوار ما بين سلطة العلماء والسلطة السياسية. وبالإضافة إلى ما لقيته «مرشدة» ابن تومرت وكتاباته في الإعتقاد من إحتفاء إتّجه العلماء إلى دراسة وتدريس المصادر الحقيقية للمذهب الأشعري ككتاب «الإرشاد» لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني. ومن أبرز علماء هذه الفترة أبو عمرو عثمان بن عبد الله السلالجي (ت 574هـ) الذي نبغ في علم العقيدة وكثر تلامذته الذين أخذوا عنه العقيدة الأشعرية حتى لقب بـــ»منقذ أهل فاس من التجسيم» وقد عرفت رسالته المختصرة «العقيدة البرهانية» انتشارا واسعا في المغرب، وأقبل عليها العلماء يشرحونها ويدرّسونها. وإذا كانت الأشعرية قد التحمت بالتدريج بالفقه المالكي منذ العصر الموحدي؛ فإن معظم أهل التصوف أيضا كانوا يميلون إلى المذهب الأشعري. وهذا الالتحام بين المكوّنات الثلاثة للتدين في المغرب هو الذي سيلخصه لاحقا الفقيه عبد الواحد بن عاشر –وهو يوضح عمدة منظومته التعليمية «المرشد المعين على الضروري من علوم الدين»- قائلا:

في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
وقد أسهمت الأشعرية رفقة المذهب المالكي والتصوّف السنّي في خلق انسجام مذهبي وعقدي في البلاد التونسية و المغرب الاسلامي ككلّ جنّبه كثيرا من القلاقل والفتن التي كانت تقع في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي بسبب الخلافات العقدية لكن البلاد التونسية لم تعرف إلاّ المذهب المالكي فقها والأشعرية عقيدة ولم تتحوّل الأشعرية أبدا خلال هاته القرون إلى موضوع نقاش وأخذ ورد في المجتمع التونسي أبدا بل في الغرب الإسلامي عموما إلا بعد أن تعرضت لهجوم ممنهج في هاته السنوات الاخيرة خاصة بعد الثورة كدخول الوهابية الى أراضينا التي باتت و ستظلّ غريبة عن ديارنا و ما هذا المسح التاريخي لعقيدة البلاد التونسية إلاّ شاهد على ذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115