بمناسبة ذكرى الملحمة: كتاب «أسرار وخفايا معركة مارس 2016» لمحمد ذويب: حارس الحصن فخر الوطن وتونس عصية على «الدواعش»

تحتفل تونس اليوم بذكرى الملحمة، تحتفل البليدة خصوصا بذكرى الشهامة والوحدة الوطنية، تحتفل بن قردان بقدرتها على دحر داعش

ونحر من كان شعارهم «بالذبح جئناكم»، تحتفل تونس بذكرى ملحمة 7مارس 2016 تلك الملحمة التي شهدت تساقط أعداء الحياة و«خونة» الوطن كأوراق الخريف أمام رصاص القوات العسكرية والأمنية وشهامة المواطنين الذين آمنوا بالدولة التونسية لا بإمارة اسلامية كان الدواعش يريدون إقامتها، وعوض أن تكون بن قردان «الرقة2» كما تقول الرسائل المشفرة في هواتف الارهابيين، اصبحت البليدة مقبرتهم وآخر مكان «نجسوه» بأفكارهم وعجزوا عن إقامة امارتهم كما هو مخطّط وشرّدت كتيبة «البتار» او «الحفاة» وهرب أتباعها حفاة في شوارع المدينة الشامخة.
في ذكرى الملحمة صدر كتاب بعنوان «ملحمة بن قردان، اسرار وخفايا معركة مارس2016» لمحمد ذويب، كتاب في جزءين نظري وتطبيقي، الجزء الأول يقدم مدينة بن قردان وتاريخها ويشير إلى ظاهرة التهريب ونشأتها، أما الجزء الثاني فيتعرض الى تفاصيل الملحمة التي انطلقت بهجوم 2 مارس، ليتم إبادة أفراد كتيبة «البتار» في ملحمة 7 مارس، الملحمة التي تساقط فيها أكثر من 36 قتيلا والقبض على 7 آخرين من الدواعش الارهابيين وقد تم القضاء على الارهابي «مفتاح مانيتة» قائد العملية وقد استشهد 22 شهيدا من الأمن والجيش والمواطنين.
بن قردان.. تصنع الاختلاف منذ القديم
يتنزل هذا الكتاب من الناحية التاريخية ضمن ما يعرف بالتاريخ الراهن او الساخن والذي يتناول بالبحث أحداثا تاريخية لم تمرّ عليها فترات زمنية طويلة، هكذا يقدم محمد ذويب كتابه الذي صدر منذ أيام قليلة تزامنا مع ذكرى الملحمة التي مثّلت «وقفة عزّ وشموخ استبسل فيها الأهالي والجنود والأمنيون في حماية تونس وشعبها من تتار العصر» (صفحة19).
اختلفت تسميات بن قردان من «ابن كردان» كما جاء في كتاب «الرحلة العياشية « سواني بن كردان هي ابار كثيرة، غزيرة الماء» (صفحة22) الى «الحارس» او «القارديان» الذي كان يحرس الحصن الذي تخزّن فيه القبائل مؤونتها، واختلفت المصادر بخصوص تلك المدينة الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي، يحدها من الشمال ساحلان هما ساحل البحر الأبيض المتوسط وساحل بحيرة البيبان، ومن الشمال الغربي معتمدية جرجيس وغربا ولاية مدنين ومن الجنوب تحدها تطاوين وشمالا التراب الليبي على بعد 33كلم عند مستوى راس جدير وأجمع المؤرخون على أن معظم سكان المدينة ينتمون الى نفس النسيج القبلي «قبيلة ورغمّة» الامازيغة تحديدا الفرع العشائري التوازين وقد ورد في كتابات ابن خلدون «ان قبيلة تسمى التوازين...في الجهة الجنوبية في حدود الصحراء كانت الحكومة معفية لهم من الأداءات» (صفحة 29).
بن قردان مفخرة الوطن
«كانت هزيمة عناصر البتار في بن قردان مذلة وكبيرة، لان خسائر التنظيم كانت كبيرة ماديا ومعنويا، حيث يمكن القول ان بن قردان كانت مقبرة داعش لا في تونس فحسب بل في المنطقة، حيث كتبت بن قردان تاريخها وتاريخ تونس وتاريخ المنطقة بصفة عامة بأحرف من ذهب سيخلدها التاريخ وتذكرها الاجيال» (صفحة166)هكذا يصف محمد ذويب ملحمة بن قردان التي استشهد فيها 22 شهيدا من أمنيين وعسكريين ومواطنين.
ملحمة بن قردان حسب الكتاب هي عنوان للفخر، عنوان لاستعداد المؤسستين الأمنية والعسكرية واليقظة وتأهبها لكل هجوم ارهابي، «ساهمت الجاهزية العالية في اسقاط مخطط كبير وخطير يستهدف بن قردان والبلاد التونسية» (صفحة97)، ملحمة بن قردان كانت دلالة على وحدة التونسيين وان اختلفوا فالقوات الحاملة للسلاح وجدت دعما شعبيا كبيرا» رغم انه في غالب الاحيان يطغى نوع من التوتر في العلاقات بين الامنيين وسكان المدن الحدودية التي يشتغل اغلب ساكنيها في التهريب» (صفحة 97) إلا انّه حين استشعر المواطنون الخطر على الوطن انحازوا الى الأمنيين وممثلي الدولة وكانوا سندهم المعنوي الأول «هذا الدعم اللاّمتناهي من الأهالي ساهم في رفع معنويات عناصر الأمن والجيش الوطنيين وأعطاهم الدعم المعنوي الكفيل بالإصرار على القضاء على المجموعة الإرهابية» (صفحة 98).
يتتبع الكاتب لحظات الانتصار، يتتبع تفاصيل ثبات الدولة التونسية أمام محاولات إقامة إمارة بن قردان، يتتبع وبكل دقة هتافات المواطنين «تحيا تونس وربي ينصركم»، ينقل وطنية الراعي الذي هاتف قوات الأمن واخبرهم بدخول 3سيارات رباعية الدفع إلى التراب التونسي، يرصد هتافات النصر وانحياز التونسيين إلى الوطن وإبلاغهم الدائم عن مكان الإرهابيين «فعلى سبيل المثال قام أهالي بن قردان بإيهام أربعة إرهابيين كانوا قد التجأوا إليهم بتضامنهم معهم واستعداهم لمساعدتهم على الفرار قبل أن يقوموا بإعلام وحدات الأمن والجيش التي تحولت إلى عين المكان وتمكنت من إلقاء القبض عليهم» (صفحة 99).
في كتابه عن ملحمة بن قردان نقل الكاتب الوقائع والتفاصيل التي تبعث في القارئ النشوة والفخر بانتمائه لوطن صغير ورقعة جغرافية عجزت قوات داعش عن اختراقها وقد سبق أن اخترقت سوريا والعراق وليبيا، الكتاب شحنة معنوية بالنصر والفخر ومزيد الإيمان بأن هذه الأرض الصغيرة ارض حياة ووحدها الراية الوطنية سترفرف على كل الإدارات والمباني و«تحيا تونس».
أربعة أعوام بعد الملحمة
ما الذي تغيّر؟
تحتفل تونس بذكرى ملحمة بن قردان، الملحمة التي اثبتت انحياز التونسيين إلى صف الوطن، تلك المدينة الموجودة في أقصى الجنوب كانت حارسة تونس بامتياز، تلك المدينة التي تعاني التهميش منذ الاستقلال ما الذي تغير فيها بعد الملحمة؟ بن قردان التي تبلغ «نسبة البطالة فيها 22بالمائة تقريبا وهي نسبة مرتفعة على الصعيد الوطني، وتبلغ نسبة بطالة أصحاب الشهائد العليا 37.87 ٪ وهي نسب مرتفعة وتبرز تقصير الدولة في حق أهالي بن قردان» (صفحة 31)، ليؤكد كاتب الكتاب أنه يتجلى بوضوح من خلال الارقام تقصير الدولة في حق المنطقة رغم انها منطقة حدودية ومن المفترض أن تكون ذات أولوية في البرامج التنموية، والمتتبع لكتاب «ملحمة بن قردان، أسرار وخفايا معركة مارس 2016» سيتساءل عن الوعود التي قطعها الساسة على أنفسهم بعيد الملحمة، فهل أنجزت الوعود؟ «لكن رغم هذا المنجز الهام لبن قردان واهلها والذي تزامن مع كم هائل من الوعود من قبل حكام تونس مازال قطار تنفيذ هاته الوعود ينتظر الوصول رغم ان ما حققه اهالي المنطقة ذات مارس 2016 لم يكن الا من اجل مناعة تونس وسيادتها لكن تنكّر الحكام لوعودهم لا يمكن باي حال تبريره» (صفحة166) فالكاتب يتتبع الوعود التي تحدثت عنها مستشارة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي سعيدة قرّاش في زيارتها لبن قردان بعد الملحمة ويطرح السؤال عن هذه الوعود بالتنمية والتشغيل متى ستصل الى الحصن الذي حرس تونس من «داعش» الارهابي.
شهداء الملحمة: بن قردان ترتوي بدماء ابنائها الصادقين
شهدت ملحمة بن قردان سقوط عدد من شهداء المؤسسة العسكرية والأمنية كذلك المواطنين، وشهداء الملحمة هم عبد العاطي عبد الكبير الذي كان مطلوبا بالاسم «كان مانيطة يصرخ اريد راس عبد الكبير رئيس مكافحة الارهاب ببن قردان لأنه فضحنا» (صفحة117)، وحسين المنصوري ومحمود التايب ومحمد السلطاني وعلي القديري وعماد مصاورة وحسين الشهباني وعبد الجواد الشافعي وسفيان حمد ومحمد المليان وعبد الكريم الجريء ومحمد عفيف اصيل الحامة الذي أبّن بالقول «نحن لا نودع ميتا،بل نودع حيا، نقول لأهله وزملاءه لا تحزنوا نحن الان نزفّ شهيدا» ولسعد الجريء المواطن الأعزل الذي طارد ارهابيا وتعرض للغدر وعماد الجراي وعبد الباسط المري وعبد السلام السعفي ورمزي الزرلي والمهدي الشملالي وبولعراس الرداوي وسمير الرقاد وغيث قطيف وعروس الشهداء كما سميت الطفلة سارة الموثق التي قال والدها «بلادي قبل اولادي» الطفلة التي قال فيها ابن بن قردان الشاعر ضو حداد (صفحة101)»أحنا عندنا كل الكساوي تكون بالطبال:
الا كسوتك يا سارة كانت عقاب الليل وانت مارة
العفو وانت ساعية بين صفاك ومروتك
يا بشرتك يا بشرتك سارة عروس الوطن».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115