فيلم «الخوذة» لأسامة خالد: الحلم يصنع المعجزات ...

قاسية هي الحرب، ظالمة ومتجبرة، تنهك الجسد والفكرة وتقتل الأحلام وتجهض الآمال، الحرب حين تضع وزرها تسرق من الشباب

أحلامه وتفرق شمل العائلات وتهدّم العمارات والبناءات والأفكار،هكذا هي الحرب كما نقلتها كاميرا المخرج أسامة خالد، حرب وضعت ثقلها في اليمن فكانت نتيجتها الخراب والخوف.

فكرة الفيلم طريفة: في غرفة صغيرة يعيش شاب مغرم بالاختراعات والحساب والاكتشافات، شاب يحلم بالتغيير وجد نفسه وسط القصف واستيقظ على غرق مدينته صنعاء في وجع الموت والدمار فبحث عن طريقة لينسى الحرب وثقلها من خلال خوذة « كانت تنتابني، خلال تلك الفترة، مثل آخرين، أفكار خيالية لتجاوز الواقع الذي نجده عسيراً على الفهم والخلاص، حتى وقعت في يدي خوذة، فقلتَ لو كانت لدي أخرى مزودة بطاقة تنقلني، بمجرد أن أرتديها، إلى خارج واقع الحرب، حيث أعيش بعض الوقت في حياة طبيعية، وهي الفكرة التي أصبحت فيلماً يعبر عن حالة واقعية لا عن موقف منها « كما يقول المخرج.

لذلك فالشخصية تخترع خوذة تتحكم فيها ليتجوّل من خلالها في كل مناطق العالم، يضعها على رأسه فيجد نفسه في أدغال إفريقيا مرة وفي البحيرات يستمتع بالشمس ويتجول في مدن وشوارع مبهرة وجميلة عله ينسى أكوام الركام في الخارج.

تقترب الكاميرا أكثر من التفاصيل، صور فوقية للركام وللعمارات المهدّمة، وعنوان بالبنط العريض على صحيفة مفاده « الحرب في اليمن...كارثة انسانية»، لكن الشاب يسكنه حلم جميل وتجربة فريدة يخوض غمارها وهو الذي يتعرض بيته إلى قصف، تتلاشى الخوذة، فيعيد الكرة ويخرج مرة أخرى إلى الركام وبقايا الآلات الكهربائية ليجلب ما يحتاجه لتكرار التجربة، تتطور العمليات الحسابية والفكرة تصبح اشمل وأكثر جرأة وخيال وعوض مجرد لباس الخوذة والسفر فكريا معها، تصبح الخوذة في التجربة الثانية كما آلة الزمن يدخلها الشاب ليترك المكان ويذهب إلى فضاءات أخرى لا تعرف الحرب ولا تعيش تحت وطأة القصف ولا يتنفس أبنائها دخان الحرائق وبقايا الموت العالقة بكل التفاصيل.

الهروب من ثقل الحرب ليس حالة فردية تهم الشخصية في الفيلم إذ أن الكثير استعملوا تقنية الهروب الافتراضي لتجاوز فكرة الحرب «لجأ الكثير إلى تقنية الواقع الافتراضي Virtual Reality التي تستخدم فيها خوذة تنقل المستخدم إلى عالم ثلاثي الأبعاد عن طريق المحاكاة التي تعتمد على حركة اليدين، رغم صعوبة الحصول على القطع المطلوبة لهذه التقنية في اليمن» كما كتب في مجلة صنعاء.

فكرة الفيلم مختلفة تبدو بسيطة لكنها تحمل الكثير من الرسائل وتؤكد قدرة الإنسان على الإبداع فالحرب لا تكبل الأفكار المختلفة ومن وسط الحرب تولد تلوينات إبداعية خلاقة، من رحم الألم يولد الأمل ومن قسوة الدمار يصنع الشباب تفاصيل الحياة، فيلم في الخيال العلمي لشاب يمني استغرق سنتين لانجازه بسبب الحرب، الفيلم مغامرة في تلك الفترة خاصة وان الحرب كانت على أشدها في العام 2015 ولم توجد مناطق تصوير بعيدة عن القصف.

وكانت السينما فرصة لتقديم صورة عن الواقع و فرصة للتعريف بنضالات أبناء اليمن ومقاومته للدمار عبر السينما، فالسينما في اليمن كانت الداعم للإنسان وللتعريف بآلامه، التجربة السينمائية أثناء الحرب اليمنية كانت سند المواطن وكانت صوته واستطاع عدد من المخرجين نقل هواجس اليمنيين وكانوا عنوانا لأحلامهم وسعيهم

للتخلص من ثقل الحرب، وشاركت مجموعة من الأفلام في مسابقات عربية ودولية وفازت بجوائز لانّ الأفلام كانت صادقة ومنحازة لقضايا التغيير ومن هذه الأفلام « ليس للكرامة جدران» للمخرجة سارة إسحاق و «اليمن: الحرب الصامتة» إخراج سفيان ابو لحم و فيلم «عشرة ايام قبل الزفاف» إخراج عمرو جمال وجميع هذه الأفلام أكدت أن السينما مقاومة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115