المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في تونس في المعهد الفرنسي: فيلم «الألغام الأرضية» ليوسف الصباحي .. الفٌرقة سبب الحرب فاتحدوا للنجاة

من يقتل من؟ من يحارب مع من؟ أي الأطراف تتحارب ولماذا؟ لماذا الحرب؟ ومن المستفيد؟ ولمَ يدفع الإنسان حياته وسلامته وأمنه

في حرب لا يعرف سببها أو نهايتها؟ هكذا تطرح الكاميرا السؤال وهي تنقل الخراب والدمار ورائحة الموت المنتشرة في مدينة «تعز» اليمنية» حرب ظالمة قتلت الكثيرين ووثّقت في فيلم سينمائي.
في «الألغام الأرضية» وثّق المخرج يوسف الصباحي للألم اليمني والصراع بين اليمنيين في دوامة حرب وجدوا أنفسهم داخلها، حرب لا تفرق بين طفل او شيخ، حرب ضروس مدمّرة أكلت الأرض وتحاول التهام البشر، ولمدة 23دقيقة يتتبع المخرج القليل من الوجع في فيلم شعري غنائي ممتع.
الحرب تزرع الشك في الذات
صوت انفجار مرعب، هو موسيقى البداية، منذ الجنيريك يضع المخرج جمهور الفيلم أمام قسوة الحرب وجبروتها، صوت انفجار لغم ارضي يتبعه دخان كثيف وصوت حشرجات إنسان ما خلف الصور، هكذا مشهد البداية، المرتفعات والحجارة تصنع ديكور الفيلم إذ تتمیز مدینة تعز بوعورة سطحها، فهي عبارة عن هضبة تمثل امتدادا لهضاب الیمن الغربية، كما أنها عبارة عن منطقة حوضیة، یحیط بها جبل صبر من الجنوب، وتتخللها كتل متفرقة ومتقاربة من التلال والهضاب ذات القمم الدائریة المتباینة الارتفاعات.
الطبيعة الجبلية في مدينة تعز اليمنية كانت عنوان إضافة في الفيلم فالحجارة وهي تتساقط تشبه كثيرا تساقط الأرواح البشرية في اليمن بعد الحرب الأهلية، هي تعبيرة أيضا عن تمسك أبنائها بأرضهم رغم الحرب والتجويع والحصار.
وتتوزع أحداث الفيلم على أكثر من مكان، أولها البيت، بيت يمني تسكنه عجوز تجلس القرفصاء تحمل صورة طفلها وتبكي لغيابه وتطلب حمايته، في الجبل هناك يوجد الشاب عمر الذي يحاول جلب الماء إلى عائلته، وهو يحمل فوق ظهره ثلاث أواني ماء بلاستيكية يحاول تعبئتها وإيصالها بسلامة إلى القرية علّه ينقذ العائلة من العطش، ثمّ الأحراش الممتدة هناك رجل بلباس مدني يحمل سلاحا ويهرب بين طلقات الرصاص، يتقابل الاثنان في مشهد كوميدي، تتغير ملامح الوجوه، الرصاص غير البعيد يصنع موسيقى اللقاء، الأول يطلب النجاة والثاني يطلب الماء، يزداد الخوف، بعدها يدور حوار بينها ليتضح أن مشوارهما واحد فكلاهما يريد الخروج من دائرة الموت تلك.
في الفيلم تقترب الكاميرا من التفاصيل، الإطار ضيّق دائما لإيصال الحقيقة ونقل الوجع والاقتراب من خوف الحرب وما تبعثه من الخوف في الإنسان اليمني، وكلتا الشخصيتين يعانيا من الخوف مع قليل من الأمل في النجاة، وهو يمشي في طريق العودة باحثا عن الاهل كما يقول المخرج:
هذا الطريق إلى البلاد
لا يقود صوب بلادك
ذاك الطريق الى الشتات
لا يفضي إلى بلادك
فلا طريق لك
و لا بلاد
ولا شتات.
كسيسيفوس،
تحمل أسئلتك
و تصعد بها جبلاً بلا قمة
غير أنك لا تسقط
و لا تصل.
تتواصل رحلة الشخصيتين للهروب من دائرة الحرب، يتشاركان هاجس إيصال الماء ولحمل الماء في الفيلم له رسائل أمل فالماء عنوان للحياة ومحاولة إيصاله إلى الآخر فيها إشعار انّ الإنسان اليمني لازال متمسكا بحقه في الحياة متمسّكا بحقه في مواصلة الاستمتاع بتفاصيله، والفيلم رسالة أمل علّ السينما تكون صوت المستضعفين الذين شردتهم الحرب وأنهكت أفكارهم وأجسادهم، لكن الحرب اشد قسوة فبسبب الخلاف بين الشخصيتين، تموت الأولى بسبب انفجار لغم ويقتل الثاني برصاصة قناص، ويحصد الموت حلمي شابين أرادا الهرب من الموت فوقعا في شباكه وكأننا بالمخرج يقول انّ الخلاف بين أبناء الوطن الواحد نتيجته قاسية نتيجته التشريد والتجويع والحرب.
الموسيقى فسحة أمل
الحرب موجعة، ومخيفة، صوت الرصاص يكتب موسيقى العرض، انفجارات الألغام والقنابل المتساقطة على المدينة تبدو من اعلي الجبل كأنها حفلة للألعاب النارية، صرخات المستضعفين تكاد تصمّ الآذان، فالدم ورائحة الموت أصبحا مشهدا يوميا في حياة الإنسان اليمني منذ 2015، ومدينة تعز حسب الإحصائيات شهدت معارك عنيفة وعرفت سقوط عدد كبير من المدنيين نتيجة القصف « المعتمد من قبل الحوثيين والقوات الموالية انذاك لعلي عبد الله صالح» وحسب تقارير لهيومن رايتز «الحوثيون يقصفون المدنيين في المدينة بشكل عشوائي ومتكرر، بقذائف الهاون والمدفعية وصواريخ غراد، حيث يسيطر أفراد المقاومة سيطرة جزئية على أجزاء من المدينة» وصور القصف تظهر جد عنيفة من خلال مشهد علوي تنقله الكاميرا.
في «الألغام الأرضية» الموسيقى تكون عنوان للحياة والصمود، أغان من التراث اليمني يصدح بها صوت امرأة عجوز، أغان تتطلب فيها حماية ابنها وأخرى تتغنى بالعائلة جميعها تكون زاد الشخصيات للمواصلة، الموسيقى في الفيلم فسحة للأمل، فرصة للحياة ولإعادة التفكير في طريق أخرى تسلكها الشخصية للهروب من المسلحين، الموسيقى في الفيلم بلسم لشفاء النفس من أدران الحرب ومأننا بالمخرج يقدم ترياقا للمتفرج الذي أنهكته بشاعة صور الحرب وصمّت أذنيه طلقات الرصاص وأزيز الموت المريع.
وتصبح الموسيقى شخصية رئيسية في العمل ومحركا للأحداث أيضا، الإيقاع يختلف حسب الموقف ففي لحظات الهدوء تكون الكلمات رقيقة كأنها تعبير عن سلام داخلي ومتى اشتدت وطأة القصف تصبح الكلمات متسارعة كأنها تعاند تسارع دقات إنسان يحاصره الموت والخوف.
يتسارع إيقاع الفيلم ومعه تزداد النوتات الموسيقية وصخبها، تصنع الموسيقى عالما ممتعا يصبح فيه الموت فكرة لا تخيف ونصبح معه الحرب تفصيلة في الحياة اليومية فبالموسيقى يحاول المخرج الهروب من ثقل الحرب وبعث الأمل في أبناء وطنه الذين أتعبتهم قسوة حرب يعيشونها ويحاولون التغلب عليها فقط ليحيوا وتلك رسالة الفيلم بعث شذرات امل عن شعب متمسك بالحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115