ومقتضيات الحياة الجديدة وان جوهر افكاره التجديدية مستوحى من روح الاسلام الاصلية. هذا الكتاب الفه الثعالبي بالفرنسية في بداية القرن العشرين وتحديدا سنة 1905 بعد ان كان قد تعرض الى المحاكمة سنة 1902 عند عودته من مصر الى تونس وعند صدور الكتاب تعرض مرة اخرى الى المحاكمة والى حملة شعواء من وسائل الاعلام ومن شيوخ جامع الزيتونة المحافظين فالفكر الإسلامي الحديث القائم على الرؤية التنويرية الى تجلت في كتابات رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وخير الذين باشا والتي تبناها المشائخ المنفتحون مثل سالم بوحاجب ومحمد النخلي والشاعر محمد قابادو وبيرم التونسي وغيرهم اعتبرها الفقهاء المحافظون قائمة على مشروع فكري خطير يمس من مبادئ الذين الإسلامي.
كتاب «الروح التحريرية في القران» ترجمه الى اللغة العربية الدكتور زهير الذوادي وصدر مؤخرا عن دار الاتحاد للنشر والتوزيع وقد جاء في قسمين الاول تمهيد بقلم الدكتور الذوادي والجزء الثاني تمثل في نص كتاب الثعالبي الذي لم ينزه الامراء والحكام المسلمين عمّا حل بالمسلمين من انحطاط تاريخي كما تولى التنديد بتزييفهم لمضامين بعض قيم الإسلام وباستعمالهم تعاليم الدين لتركيز سلطاتهم وتبرير ما يتبعون من سياسات وما يقترفون من جرائم بالاعتماد على نفوذ القرآن بتبرير حكمهم وجرائهم وهو ما نراه اليوم لدى الاحزاب الدينية.
لقد كان عبد العزيز الثعالبي منفتحا على الافكار والمناهج الفكرية القادمة من خارج المجال الثقافي والحضاري العربي والاسلامي وقد شكل كتابه هذا مشروعا فكريا اصلاحيا ليبراليا ذلك انه رغم ان تكونيه الفكري كان تقليديا في اساسه إذ لم يتردد في الاخذ عن الغرب ما يمكن ان يكون مفيدا من الافكار والمناهج والعلوم لان الضرورة تقتضي الانسجام مع منطق العصر الجديد فالحجاب مثلا يرمز بالنسبة الى الشيخ عبد العزيز الثعالبي الى الحاجز الذي يفصل بين عالم الحياة العامة للانسان وعالم النساء ففي هذا الاطار جاء في كتابه ما يلي « يجب علينا الآن معالجة مسالة وجوب الغاء الحجاب او عدم الغائه وذلك حسب الدين الاسلامي من خلال القران والسنة إذ أن ازالة الحجاب تحرير للمرأة وهو حرب ضد التعصب والجهل « ويضيف ان العديد من الآيات القرآنية تبرهن على انه لا وجود لأي تحريم للمرأة المسلمة كي تكشف عن وجهها.
وفي الباب الثامن من هذا الكتاب (الروح التحررية في القران» كتب الشيخ عبد العزيز الثعالبي ما يلي:
«..ويواصل مفسرو القران وعلماء والشيوخ الفقهاء منذ عشرة قرون نفس حملات الكراهية وعدم التسامح الديني ويواصلون الحرب ضد معتنقي الأديان الأخرى». وفي هذا السياق اضاف الثعالبي « في أوروبا واثناء القرون الوسطى – الى حد القرن الثامن عشر من التاريخ المسيحي كان الفلاسفة والعلماء الذين يتجرّؤون على تقديم حقيقة علمية او فلسفية مخالفة لمبادئ الكتاب المقدس او الذين يحرقون احياء ويعاملون ككفار وقد حافظ العالم الاسلامي على نفس السلوك
خلاصة القول هي ان الشيخ الزيتوني عبد العزيز الثعالبي كان رجل دين وسياسية وكان كثير السفر والترحال مشرقا ومغربا وكانت له اتصالات ومراسلات مع زعماء الاصلاح في المشرق- في مصر خاصة – فهو مؤسس الحزب الدستوري عام 1920 وأسس قبل ذلك الجريدة «سبيل الرشاد» سنة 1895 وله عديد الاصدارات من ذلك كتابه المحاضرات في تاريخ المذاهب والاديان الصادر في لبنان او كتابه (معجز رسول الله (صلعم) الذي قام بمراجعته وتقديمه محمد البعلاوي وصدر في تونس عن «الدار العربية للكتاب» كما صدرت حوله عديد الكتب من ذلك كتاب لاحمد خالد بعنوان (لزعيم الشيخ عبد العزيز الثعالبي وإشكالية فكره السياسي) وكتاب لاحمد بن ميلاد ومحمد مسعود ادريس بعنوان (الشيخ عبد العزيز الثعالبي والحركة الوطنية)
ان الاشكالية الاساسية التي اسست كل تحاليل الثعالبي في كتابه هذا «الروح التحررية في القران» هي البحث عن شروط تحقيق النهضة وعوامل التقدم المعتمد في المقام الاول على العودة الى نقاوة الاصول الدينية للاسلام وعلى الانفتاح على العقلانية الخلاقة التي تنتج الرقي الحضاري كذلك في كتابه هذا دعوة صريحة الى تاسيس نظرة متسامحة في المجتمع الاسلامي لان الاختلاف والتنوع في الاراء والافكار من شانه ان يقضي على التعصب والتحجر الفكري ويفتح مجالات الحوار وفضاءات الحرية.
الكتاب على غاية الاهمية لان الاسلام السياسي الذي حط بثقله في اغلب البلدان العربية في مطلع هذا القرن الواحد والعشرين جاء بالافكار التي حاربه الثعالبي وانتفاضات الشعبية فيماس مي بالربيع العربي كانت من اجل بناء الدولة العصرية القائمة على القانون لا لتسليم الاوطان الى الاسلام السياسي بأجنحته المختلفة.