قاعة عمار الخليفي: أسبوع أفلام المقاومة: فيلم «مطر حمص» لجود سعيد للوطن نساء شامخات أبدا

الحرب السورية والدمار الذي تركته في مدينة حمص، الخراب و الموت والدمار شبه الكلي لمدينة ضاربة في التاريخ،

مشاهد مأساوية نقلتها كاميرا جود سعيد في مدينة حمص القديمة، مشاهد كانت فيها الكاميرا صوت المدينة واثارها، الكاميرا نقلت الخراب دون تجميل، عايشت الوجع والخوف الذي عاشه المواطن الحمصي ونقلته الى الجمهور في فيلم «مطر حمص».

مطر حمص فيلم من اخراج جود سعيد وتمثيل كل من محمد الاحمد و لمى الحكيم، فيلم انطلق من قصة واقعية، نقل ماعاشته حمص من خراب حين احتلتها داعش لتنشر فيها الموت والخراب، الفيلم انتصر للحياة ومن وجع الحرب ولدت قصة حبّ ستكون عنوانا لإعادة إعمار المدينة بالحب والامل.

السينما توثّق لما تركته الحرب
موجعة هي الحرب، الخراب موحش وقاتل، صور فوقية للمدينة او بقايا المدينة وتاريخها، انطلاقا من مشهد علوي خيّر المخرج بداية الفيلم لينقل للمتفرج الكمّ الهائل من الخراب الذي عاشته حمص وحضارتها، حمص القديمة قدم التاريخ دمّرت بالكامل تقريبا واصبحت معابدها وكنائسها وجوامعها مجرد ركام من الحجارة بفعل القذائف المتبادلة بين جيش النظام وداعش والجيش الحر ومن يطلقون عليهم اسم «المتمردين» فجميعهم تكاتفت صواريخهم وبراميلهم المفخخة واسلحتهم الفتاكة لتدمير حمص وتهجير سكانها هكذا تقول الصور الفوقية لما بقي من مدينة هي ثالث اكبر المدن السورية وشهدت واحدة من أقدم الحضارات الانسانية.

«مطر حمص» عنوان الفيلم الذي صوّر الخراب الذي عاشته مدينة حمص، تلك المدينة الضاربة في التاريخ فحمص هي «إيميسا» (باليونانية: Ἔμεσα) وهو اسم مركب من قسمين «إيم» «سيا» حيث يعتقد أن الشطر الأول كان يشير إلى إله الشمس الذي اشتهرت المدينة بعبادته وبالهيكل الكبير المشيّد على اسمه. وقد يكون الاسم مشتقاً من قبيلة إيمساني التي حكمت حمص لعدة قرون من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثالث..

وفي البحث عن دلالات الاسم مصادر أخرى تذكر أن أصل اسم «إيميسا» هو اسم آرامي مركب من مقطعين «حامات-صوبا»، «حامات» تعني «الحصن» و تدل على قلعة حمص، بينما «صوبا» فتعني «محلة»، وبهذا يدل الاسم على «القلعة والمنطقة المحيطة بها، فحمص اذن ضاربة في التاريخ مدينة لها موقعها الجغرافي المميز في سوريا، مدينة عرفت بإله الشمس، شمس الحضارة والتاريخ ظلت تنير المدينة لقرون، شمس حجبت منذ ماي 2011 الى ماي 2014 بفعل الحرب وعوض ان تنير الشمس المدينة انارتها اضواء الصواريخ والقصف.

«مطر حمص» هو اسم الفيلم من رمزية المطر ينطلق لينشر الحياة في المدينة المدمّرة بالكامل، عادة يكون المطر عنوانا للولادة بعد المطر عادة ما يظهر قوس قزح وتعود الشمس دافئة جميلة، كذلك هي رمزية المطر في الفيلم، هي دعوة لاعادة تعمير حمص بعد خرابها ودمارها، وللمطر في حمص رمزيته لانّه عادة ما يرافق فصل الربيع «مطر بالربيع» هكذا تتساءل لارا ليجيبها يوسف «هاد مطر حمص».

السينما تنتصر للحب وللانسان
حمص المدينة، حمص الحضن والعائلة والوطن الصغير هكذا تقول الشخصية الرئيسية وهي تكتب ذكرياتها في كنش تريده دليلا على حقيقة ما حدث في المدينة بعد الموت، حمص مدينة سورية عاشت الحرب والرعب والدمار وأصبح مواطنوها بمثابة «الشيء» فجنود داعش يستبدلون المواطنين بالمؤونة، فالمواطن قد يكون مقابل كيس سكر او كيس طحين.

أحداث الفيلم تبدأ بمشهد فوقي يصوّر خراب المدينة ثمّ عملية «زووم» للاقتراب أكثر من الخراب الذي انعكس على وجوه الناس، خراب ترك آثار الخوف والرهبة في نفوس السكان الحالمين بمغادرة حمص بعد ان سمحت داعش بذلك مقابل المؤونة.

مشهد التبادل مريع ويسيء لإنسانية المواطنين، في الخارج قرب ساعة حمص القديمة مجموعة من رجال الدين المسيحيين والمسلمين معهم جيش النظام وممثلي المجتمع الدولي والهلال الاحمر، وفي الداخل مواطنون ينتظرون دورهم للخروج، بعد عملية التبادل مزاج «ابو عبد الله» اخبره أن المؤونة قليلة فقرر قنص كل من يتحرك خطوة واحدة، يعود الدمار والخوف وتقف إحدى الشخصيات لوقت طويل تختبئ خلف الساعة وتطلب الحياة «يا اخي بدي عيش، اعتبرني كلب، عوو» لكن العواء لم ينقذه وبمجرد محاولة الهروب أصابته رصاصة القناص، حينها مات آخر الهاربين خارج حمص لتعود الأحداث إلى الداخل لتعايش تفاصيل الحرب وكيفية معاندة آخر من بقي بالمدينة لوزر داعش وصواريخها.

هجّر سكان حمص، وبقي داخلها فقط «المجانين»، مجانين الوطن والارض والحب والشهامة، في الداخل الاب ايليا يظلّ لانه حامل مفاتيح كل الكنائس «ابونا كيف بدي اطلع ومفاتيح الكنايس عندي» ويبقى ايضا «يوسف» العسكري المسرّح ومعه «لارا» التي دخلت حمص بحثا عن شقيقها ومعهما طفلان صغيران، هؤلاء الخمسة سيشكلون عائلة، سيشكلون قلبا واحدا يقاوم ظلم داعش ومع تقدم الأحداث تصبح الموسيقى جزءا أساسيا في تصاعد الأحداث فيوسف يعزف على آلة العود ليكتشف المتفرج ان هناك كتيبة عسكرية لازالت مرابضة بالبرج لحماية ما تبقى منه ولا تترك المدينة بخرابها لداعش.

في الفيلم تنتصر الكاميرا للانسان، تنتصر لمن بقي داخل الخراب لحماية حياته والتمسك ببقايا المدينة، الموسيقى باتت شخصية في الفيلم فيوسف والجنود كثيرا ما يهدون أغاني الحب «لابي عبد الله» الذي يجيبهم بالتهديد والوعيد وينعتهم بالكفر، في الفيلم انتصار للحب فالحب وحده ساعد يوسف ولارا على تحمل خراب حمص واحتمال قذائف داعش، الحب ايضا جعل من اخر العسكريين «محمد» المسلم اخر حصون الدفاع عن يوسف ولارا المسيحيين، في الفيلم انتصار للانسانية وسط خراب تركه من يدعون انهم يدافعون عن الله «هذه الارض ارض الله ونحن جنوده ندافع عنه ونجاهد في سبيله» حسب قول ابي عبد الله للاب ايليا.

السينما تنتصر للحياة ضدّ ثقافة الموت، فيوسف ( محمد الاحمد) ولارا (لمى الحكيم) والطفلان سارة وجاد (جيسيكا و بيتر) والاب ايليا (حسين عباس) يعيشون على القليل من المؤونة لكنهم صامدون عكس ابي عبد الله جود سعيد)، سلاحهم حب المدينة وحب الحياة أمّا سلاحه فهو «اربي جي» و «القنابل» لكنّهم ينتصرون في النهاية فهم يظلون على قيد الحياة وهو يغادرها، هم يبقون في مشهد جميل يطلّ على حمص من فوق مشهد فيه دعوة لعودة السكان الى حمص هي دعوة لاعادة تعميرها لتعود المدينة نابضة بالحب وتمسح مطر حمص كل تلوينات الخراب التي تركتها القذائف على جدرانها كما قبلة العشق التي اعادت الحياة الى قلب لارا كذلك هي حمص مدينة تنتظر عودة الحياة اليها وذلك ما جسده المخرج من خلال مشهد اليد التي تخرج من القبر طالبة لاعادة التعمير.

المرأة ثورة ووطن
الوطن أنثى والحرية أنثى والأرض انثى والمقاومة أنثى كذلك الشهامة أنثى والسعادة انثى والانتصار انثى، ومن رحم الأنثى تولد الحياة والشجاعة والقداسة وفي مطر حمص ينتصر الفيلم لقوة المرأة السورية وجرأتها، ينتصر للمدينة المقاومة والمرأة الباسلة من خلال اختيار شخصيات نسائية مميزة اشتركت جمعها في جنون التمسك بالأرض والحياة.

اولى الشخصيات «لارا» التي تركت منزلها ودخلت حمص -فقط- للبحث عمن يقدم لها معلومة او خيطا لإيجاد شقيقها العسكري المخطوف منذ اشهر، لارا لم تخف من خراب حمص ولا تهديدات داعش ودخلت المدينة التي اصطف أبناؤها للخروج منها فكانت الشخصية التي ستعايش أحداث متسارعة وكثيرة رمزا لشهامة المرأة السورية.
الشخصية الثانية الطفلة سارة تلك التي لم تبلغ الرابعة من العمر لكنها تمتلك بسالة الطبار، سارة لم تهب صوت الرصاص واندفعت للبحث عن شقيقتها داخل المدينة المحاصرة، وطيلة اشهر الخوف والجوع أثبتت الطفلة انحيازها للوطن والشجاعة وعدم الخوف.

في التمسك بالحق في الارض والدفاع عنها تكون المرأة في الصدارة فتحمل السلاح وتقسم على الموت مقابل عدم الرضوخ لداعش «اسهل علي موت معلقة بثية بيتي، ولا اني عيش بخيمة» كما تقول احدى بنات الطيار اللواتي شكلن جيشا مصغرا يحارب داعش من داخل المدينة، تربين على حبّ الوطن وإلى حدّ نهاية الحكاية كنّ متمسكات بضرورة مغادرة داعش لحمص.

الشخصية النسائية الرابعة شخصية «ريما» التي اتهمت بالجنون، شخصية عنيدة قامت بإلقاء جنود داعش من «البلكونة» فأصبحت محل تتبع ابي عبد الله شخصيا، ريما ابنة عالم الفيزياء المغدور تتعلم حمل السلاح وتظل هاربة من مكان إلى اخر وعوض ان يقتلها امير داعش تهديه قنبلة يدوية «ها هدية من ابي» كما قالت ومشهد تفجير ريما للداعشي من اجمل المشاهد في الفيلم مشهد قابله الجمهور بالتصفيق انتصارا للحياة وتعبيرا عن رفض الجمهور لفكرة داعش ووجودها.

المرأة في «مطر حمص» كانت عنوانا للقوة والارادة، هي ملخص عن الوطن، فالمرأة كانت ثورة وشرارة حبّ لا يموت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115