في سيرة النحات التونسي الهاشمي مرزوق: كتاب عن المسيرة- التجربة ومعرض في رواق «الكمان الأزرق»

بقلم: شمس الدين العوني
الفن بما هو جوهر النظر تجاه الأشياء..العناصر..الآخرين..العوالم.. بما يعنيه ذلك من حوار تجاه الذات و هي تنحت

رؤاها مثلما ينحت الماء مجاريه في الصخر.. ثمة حنين و نشيد من قبيل الموسيقى الأولى..موسيقى البدايات.

والفن كذلك و مع ذلك هو هذا السفر الدفين قولا بالدهشة واللمعان في عالم معتل يشغله الصخب وضجيج الحالات ..هذا ما يفعله الفن بالكائن وهو ينشد لدواخله تحكي شجنه العالي.. من هنا كان لا بد من حكاية تلون أحوال الفنان الطفل المسافر بين دروب شتى يجمعها عنوان لافت هو فعل الازميل و الأنامل والروح ... تنكب على فعل النحت..انكباب الطفل على دميته يصغي اليها يهبها شيئا من ذاته من طمأنينة مفعمة بالبراءة.. بالوداعة.. تحكيها خطاه الأولى.. حيث لا مجال لغير القول بالوجد والحميمية نحو الذات.. انها لعبة الفنان الباذخة التي يرتجي من خلالها نحت أصواته وألوانه المحبذة والمحمودة في مساحات الشواسع ..شواسع الكيان...
هكذا نلج عوالم فنان طفل يحاور المادة يمنحها شيئا من أنفاسه وهو يدندن أغنية بها شجن قديم تجدده الأنامل.. تعددت أعماله من مختلف الأحجام وعديد المواد من البرنز الى النحاس والرخام والخشب وغير ذلك..

بعد الأعمال الضخمة التي منها تماثيل عرفتها شوارع وساحات تونسية تختصر علاقة ومحبة الفنان للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة .. كان المجال لعدد من الأعمال الفنية التي هي منحوتات مختلفة المواد والتي تميزت بحركيتها وتعبيريتها البينة حيث المرأةالغارقة في الرقص والفرس في عنفوان الحالات والمرأة على الدراجة... وغيرها...
أعمال وأمثلة تصويرية بتقنية التخطبط للمنحوتات..

و«منحوتات».. هو العنوان الجامع للمعرض الخاص للفنان الذي نحن بصدده بفضاء العرض برواق الكمان الأزرق و الذي افتتح يوم 12 جانفي ليتواصل الى غاية يوم 29 من شعر فيفري المقبل.
الفنان الذي نعنيه هو النحات الهاشمي مرزوق ابن مدينة المحرس والمقيم بتونس العاصمة من سنوات..

حدثني عن تجربته واعداده لهذا المعرض وعن أعماله القديمة والجديدة... كان ذلك في بيته بضاحية باردو حيث انتصبت منحوتاته في أرجاء بيته الى جانب لوحات تخطيطاتها ومراحل تصورها.. كان السيد مرزوق يحدثني بشغف كبير تجاه عمله وانتصاره لمنجزاته الفنية التي تنوعت منذ منتصف الستينات و الى الآن...رجل ثمانيني بروح طفل و فنان لا يهمه ضجيج الساحة الفنية و تقلب أحوالها فهو لا يفكر في غير عمله الذي ينجزه وهو في حالة من الرقص الروحي مثل زنجي قديم..

في المنحوتات اشتغال على الحركة و تفاعلات الجسد ..ومنذ أكثر من خمسة عقود سعى سي الهاشمي مرزوق الى تنويع مواد منحوتاته في تلويناتها وأشكالها وأحجامها ديدنه الجمال المصقول والحركة في تنوع تعبيريتها كل ذلك ضمن سنوات من العمل المتواصل و الدؤوب وبحرفية ومهارة عرف بها بين جيله من الفنانين...
في رواق الكمان الأزرق أو «لو فيولون بلو» بضاحية سيدي بوسعيد يطلع كل من يزور هذا المعرض الاستعادي من أحباء الفن ورواد الفضاء ومن أصدقاء الفنان على بانوراما تبرز حيزا مهما من مراحل تجربة النحات مرزوق.

المعرض سبقه صدور كتاب فني عن تجربة الفنان في تأليف للناقد التشكيلي حسين التليلي المهتم بالفنون التشكيلية ضمن عنوان «الهاشمي مرزوق والنحت في تونس» وتصميم غلاف وصور للفنانة ايناس مرزوق ..يسافر بنا الباحث والناقد حسين التليلي في عوالم التجربة الفنية للنحات مرزوق عبر مراحلها من البدايات الى الآن في نصوص تقرأ التجربة والمنجز...
تجربة ومسيرة.. ومجال مفتوح بهذا المعرض بقاليري الكمان الأزرق.. منحوتات مضافة لأعمال عرف بها الفنان في مراحل منها البدايات وما بعدها ومنها تماثيل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة والمنستير والقيروان وطبرقة الى جانب الحضور الفني عبر دروع وهدايا فعاليات ثقافية تونسية منها تظاهرات قرطاج السينمائية وقرطاج المسرحية وقرطاج الموسيقية ومناسبات أخرى.

في هذا المعرض تجوال فني يشي بحيز مفتوح على اشتغال حرفي فني من قبل فنان يحاور المادة ويحاولها قولا بالفكرة تنهض على جانب مهم من حلم تشكل منذ البدايات ليتحول الى شغف فني تعددت به ومن خلاله منجزات الهاشمي مرزوق الذي لم يجد الطريق معبدة في سنوات الستينيات بل انه كابد وتمسك بولعه الفني ليبلغ هذه اللحظة...لحظة جمالية باذخة يستعيد فيها الفنان مثل متقبل فنه خلاصة التجربة والمنجز و... الانطلاقة الجديدة.. نعم هكذا حدثني وأنا أهم بمغادرة بيته –المعرض المتحف السابق للفيولون بلو.. قائلا.. انا مواصل في عملي بنفس الروح والدأب والعزم...الفن حياة مفتوحة...
بين الزيارة والمعرض.. بين لقاء المنزل بباردو وقاليري الكمان الأزرق وكتاب حسين التليلي... تمكث تجربة فنان محرسي قديم متجدد لا يلوي على غير القول بالفن كملاذ و متنفس و ...مجال تعبيري هام في حياة الناس...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115