جامعة الملك سعود في الرّياض. بعد إصداره عامي 2018 و2019 بباريس في العاصمة الفرنسيّة, لثلاثة كتب عن الأدب الرّوائي النّسائي الذي يعتبره المؤلّف «أهمّ فتح حدث داخل المجتمع السّعودي ذاته», حسب قوله، ها هو يُصْدِر، منذ ثلاثة أسابيع ,كتابا عنوانه ¬«السّينما السّعوديّة: المسار والأثر والتوقّعات» عن دار النّشر الفرنسيّة «إيريك بونيه» المتخصّصة في المواضيع والمسائل التي تتعلّق بالعالم العربي الإسلامي.
يشتمل هذا الكتاب, ذو القِطع المتوسّط, على 289 صفحة وما يقارب 200 صورة لأغلب المخرجات والمخرجين والممثّلات والممثّلين السّعوديّين ولمشاهد ولقطات من الأفلام المذكورة ومُلصقاتها. نُشر هذا المؤلّف في فترة مناسبة للغاية، خصوصا وأنّ السعودية تتأهّب، لأوّل مرّة في تاريخها، لاحتضان موعد فنّي وثقافي استثنائي ألا وهو مهرجان البحر الأحمر السّينمائي الدّولي الذي سيلتئم في النّصف الثّاني من شهر مارس المقبل بمدينة جدّة.
ويتكوّن كتاب الهادي خليل من خمسة أبواب متوازنة ومتكاملة رُكّزت أساسا على أهمّ المراحل التّاريخيّة والسّياسيّة التي مرّت بها السّينما السّعوديّة، منذ نشأتها في أواخر سبعينات القرن الماضي على يد رائدها المخرج عبد الله المحيسن، إلى حدّ اليوم حيث تشهد عودة الرّوح إليها، بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثة عقود، بفضل المبادرات والتّشجيعات والمشاريع التي أطلقتها الدولة السّعوديّة لصالح قطاع الفنّ السّابع تحديدا، والقطاع المرئي والتّرفيهي، بصفة عامّة. كما تضمّن الكتاب كشوفات مفصّلة ودقيقة عن أغلب الأفلام السّعوديّة، بشتّى أجناسها والتي أنجزت من 1977إلى 2019.أمّا في ما يخصّ التّحاليل الفلميّة، فقد خصّص جانبا مهمّا منها إلى كيفيّة حضور الأشياء وحضور النّكتة والفكاهة في السّينما السّعوديّة.
ويُعدّ هذا الكتاب أوّل مرجع عن السّينما السّعوديّة يكتب في لغة أجنبيّة. وينوي النّاشر الفرنسي، كما أفادنا بذلك الهادي خليل، ترجمته إلى اللّغة الأنجليزيّة. مدفوعا في قراره بدواع منطقية ودواع تجارية في ذات الوقت حيث يبدو ان الكتاب سجل مبيعاتا قياسية منذ الأسبوع الأول في الأسواق الفرنسية. ومن المنتظر أن يتوسع التوزيع في كافة الأقطار الأوروبية ودول العالم الناطقة بالفرنسية كما من المنتظر ان ينطلق خلال أيام توزيع الكتاب بالمكتبات التونسية.
وبالعودة للمؤلف، الهادي خليل الناقد السنيمائي المعروف، والصحفي الألمعي والأستاذ المختص في اللغة والآداب الفرنسية، فإنه بهذا المؤلف نزع عن نفسه شبهة الاختصاص في السينما التونسية وهو صاحب المقالات ذات الصلة بجريدة لابراس لسنوات طوال ومؤلف الكتاب المرجع «مدونة السنما التونسية- رؤى وتحاليل» الصادر باللغتين العربية والفرنسية والذي ظل إلى اليوم مرجعا فريدا وجامعا لجل العمال السينمائية التونسية.
فالهادي خليل المعروف بحله وترحاله بين الجامعات والبلدان حيث عمل وطنيا في جامعات تونس وصفاقس وسوسة وعربيا في كل من ليبيا والعراق واليوم العربية السعودية وعلى ذكر العراق فقد ألف الهادي خليل خلال فترة تواجده بهذا البلد كتابه المشهور «Le chien de Baghdad» الصادر سنة 2005 والذي خصصه الكاتب لوصف الحياة في العراق بين حربي 1991 و2003 في أدق تفاصيلها.
وبإصداره، لكتابه الأخير عن السنيما السعودية يكون الهادي خليل صاحب «العين الشغوف» و«ورقات مرئية من الرواية التونسيةّ و«العرب والحداثة السنمائية» و«رمية النرد» والسينما والفوتوغرافية» و»مقالات في الصورة» يكون الهادي خليل قد عمق مباحثه في ميدان السنيما في أدق جزئياته مقتحما بذلك مجالا جغرافيا لم يكن لغيره أو لعامة الملاحظين أن يؤمن بعمق التجربة السعودية في مجال السينما ومؤمنا بشدة بان مستقبل السينما والفنون والأداب في تلك الربوع هو من دون شك أفضل بكثير من حاضره الناصع بدوره والذي لا ينقصه إلا من يميط عنه اللثام وينفض عنه الغبار ليتبين له عمقه وثراءه. ولعل صعود المخرجة التونسية شهد أمين على منصة التتويج مؤخرا في مهرجان قرطاج الدولي خير شاهد على أن السينما السعودية آتية بخطى ثابتة لتعانق النجاح تلو النجاح...