افتتاح أسبوع أفلام المقاومة والتحرير: فيلم «دمشق حلب» لباسل الخطيب: «نحب الوطن حتى في خرابه الأخير»

سوريا العزّة، سوريا القوة، سوريا الحضارة والتاريخ، سوريا الانبعاث من جديد وولادة الامل من وسط الخراب،

سوريا شعب يقبل على الحياة وتفاصيلها وان قست الحرب، سوريا زهور تينع بعد كل انفجار، دمشق الولادة دمشق البهاء والمركز وحلب وردة «جلنار» حمراء قانية كدماء شهدائها، حلب تبعث كما طائر الفينيق من رمادها لتنتصر للحياة والانسان.
هكذا هي سوريا كما تراها كاميرا المخرج باسل الخطيب، في فيلم «دمشق حلب» الفيلم من بطولة دريد لحام و صباح الجزائري وسلمي المصري وكندة حنا و علاء قاسم وعبد المنعم عمايري ونرمين شوقي وتصوير جمال مطر وسيناريو لتليد الخطيب، انتصر الفيلم للانسان ولقيم الحياة والامل رغم الخراب والحرب عرض مساء الاثنيبن 20 جانفي في افتتاح اسبوع افلام المقاومة والتحرير في قاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة.

الكاميرا توثيق للألم والأمل
مشهد علوي لمدينة دمشق، اختيار الزاوية الفوقية لبداية الفيلم كانت الغاية منه التعبير عن علوية المكان وأهميته، الاحداث التي تنطلق من مدينة دمشق، اصوات الصفير والإنذارات تعلو تدريجيا، ترتفع الجلبة لتفجر «قنبلة» بعدها يسمع صوت فيروزي يتغنى بالأرض، كذلك هي دمشق قادرة على احتواء ثنائية الحرب والحياة، فبعد الخراب يينع الامل في دمشق كما يقول عيسى عبد الله الشخصية المحورية (دريد لحام).

في «دمشق حلب» فيلم يمكن تصنيفه ضمن افلام الرحلة، لانّ اغلب الاحداث تبدأ مع الرحلة من دمشق الى حلب، مسافة طويلة قادرة على اختزال رحلة الانسان السوري واختزال رحلة التاريخ والجغرافيا ايضا.
«دمشق العاصمة» يغادرها المذيع عيسى عبد الله الذي ترك الاذاعة منذ اعوام، وقبل المغادرة يذهب الى الاستوديو في تجربة معانقة للمصدح ربما تكون الاخيرة ليرحب بالجمهور ويقول «مرحبا بمستمعينا من الاذاعة المركزية لجمهورية سوريا العربية المتحدة، هنا القاهرة من دمشق، هنا بغداد من دمشق، هنا الجزائر من دمشق» وهي رسالة وحدة كأننا بالرجل يستحضر سنوات قوة الدولة العربية ووحدتها.

من دمشق تنطلق الرحلة، رحلة تبدأ مع الدموع والوجع فعيسى يغادر دمشق بعد دفن أعزائه في يوم زفاف ابنة اخيه وقبل وصوله بلحظات ينفجر مبنى القصر العدلي، حادث ارهابي يودي بأحبائه فيقرر مغادرة دمشق باتجاه حلب التي حرّرت من داعش وكأننا بالبطل يهرب من رائحة الموت الى راحة الحياة.

الرحلة تكـــــون بالحافلة، هي عينة صغيرة عن المجتمع السوري، فالحافلة تجمع داخلها المذيع الشاب جلال «عبد المنعم عمايرية» والمرأة الهاربة الى الموت رفاه «صباح الجزائري» والشابة المغرمة بالسوشيال ميديا والمهتمة بمرضى التوحد اعتزاز «نظلي الرواس» وصاحبة الصوت الساحر المغنية لارا «نيرمين شوقي» جميعهم يختلفون من حيث طريقة التفكير وطريقة العيش والتعامل مع الاخر اجتمعوا في الحافلة المنطلقة من دمشق الى حلب، وفي الطريق تواجههم مصاعب ومواقف متعددة حاول كاتب السيناريو معها التركيز على شهامة المواطن السوري ورغبته في مساعدة الاخر رغم عدم معرفته المسبقة بعه.

أولى المواقف تكون اثناء وتفتيش الهويات حينها يجد عيسى عبد الله نفسه مطلوبا للاحتياط، شيخ في السبيعنات يطلب للاحتياط؟ ، موقف تتسابق فيه الشخصيات لإنقاذه والتواصل مع النقيب عله يدعه يواصل طريقه، الموقف الثاني اثناء هروب امرأة من عائلة زوجها واتحاد جميع الركاب لإنقاذها وافتكاك السلاح من مهاجمها، وموقف انجاز عرس للعروسين بعد تعطل الحافلة، جميعها مواقف مضحكة ومبكية تعيشها الشخصيات التي تظهر معها الجانب الانساني والشهامة في المواطن السوري وتلك الغاية من السينما انتصار للقيم الانسانية.

في «دمشق حلب» رحلة انسانية هي رحلة المجتمع السوري، الحافلة بما تضمه من ركاب هي عينة مصغرة عن المجتمع، بعضهم لا يريد الدخول في نقاشات مع الاخرين ويريد حماية نفسه «يا أخي ما دخلني» وهي الجملة التي يرددها كلما حدث حادث ما، وآخرون يندفعون للدفاع عن البقية بتعلة التشارك في المكان والبلد وان اختلفت وجهات النظر، الحافلة التي انطلقت ملأى تظل منها خمس شخصيات متماسكة ومتحدة حتى نهاية الفيلم، الشخصيات التي جمعتها الحافلة تعلمت اثناء الطريق ان الاختلاف لا يبني الوطن وحدها الوحدة تصنع حريتهم وتزيل اثار الدمار عن نفوسهم.
«دمشق حلب» فيلم انساني يبدع دريد لحام في شخصية عيسى، فيلم ينحاز الى الانسان والوطن، فيلم لا يجمّل صورة البلاد وإنما يقدمها بخرابها وينحاز للإنسان والأمل كما يقول اخر مشهد في الفيلم.
كما ينحاز الفيلم للنظام السوري من خلال جملة ترفض الربيع العربي ففي حوار بين الشخصيتين تقول رفاه «الطقس كأن الربيع اجا» فيجيبها عيسى «الله لا يجيبوا اصلا نحنا شفنا الخراب من الربيع» والربيع المقصود ليس الفصل وإنما الربيع العربي.

السينما تنتصر للإنسان: السينما تنتصر لسوريا
الامل لا يموت، الصدق لا يموت والوطن لا يسقط مادام ابناؤه يقبلون على الحياة، الاجيال الاربعة اجتمعت في مشهد واحد، المشهد الختامي للفيلم يلخص الوضع في سوريا، فشخصية الاب عيسى (دريد لحام) التي تمثل التاريخ والحضارة تجتمع بالابنة دينا (مندةو حنا) هي رمز اليوم مع الطفلين اللذان يرمزان الى المستقبل، جميعهم يخرجون سوية وأيديهم متماسكة في اشارة الى تواصل الدفاع عن الوطن وتوريث حب الارض والبقاء في الوطن للأجيال القادمة، وكانت الغاية من المشهد النهائي التعبير عن تمسك السوري بأرضه، ودفاعه عنها فتاريخ سوريا وحضارتها التي لم تستطع ان تمحوها الانفجارات الواضحة معالمها على البنايات.
في الفيلم الكثير من الرموز التي تنتصر فيها الكاميرا للإنسان فكما قاوم التاريخ السوري الحروب العديدة والاستعمار فإن له القدرة على مقاومة داعش كما يقول مشهد تخطي عيسى للأرض الملغومة والوصول دون ضرر، كذلك جيل اليوم قادر على حماية وطنه عبر التمسك به وعدم تركه للغريب من خلال مشهد بقاء دينا في منزلها في حلب وقرار عدم المغادرة «ما تركت بيتي لما كانوا المسلحين تحت، بدك اتركوا وانتوا هون» كما تقول الشخصية للجندي الذي طلب منها مغادرة بيتها وحسب الاحصائيات فمدينة حلب وهي اكبر المدن السورية كانت تضم 2.5مليون ساكن في 2011 اثناء انطلاق الاحتجاجات، ليرتفع عدد الهاربين من الحرب التي انطلقت في 19جويلية 2012 ليبقى 1.5مليون ساكن بين 2013و2015 ومع تصاعد القصف العشوائي بقي فقط 300الف ساكن في حلب في العام 2016.

السينما تنتصر للوطن وللمواطن، السينما تنتصر للحياة فرغم الدمار وقسوة التفجيرات والخوف الذي تركه داعش على العمارات وأثار الموت التي فاحت في المكان فحلب منذ 19جويلية 2012 شهدت اشنع العمليات الارهابية والقصف العشوائي بين انصار الشريعة وداعش والمتمردين وجيش النظام السوري، قصف عشوائي وحرب شرسة جعلت من معارك حلب تسمى «ام المعارك» وسميت ايضا «ستالينغراد سوريا» حرب تركت آثارها في الفيلم من خلال صور الدمار والركام المسيطر على الصورة..
لكن الامل موجود والمواطن الحلبي يميل الى الحياة، ففي المقهى يكون الزفاف والزغاريد والفرحة، وقبالته عمارة مدمرة بالكامل بعد تفجيرها، وخلف ذلك الركام وبقايا داعش هناك ارادة للحياة لا تقدر على تفتيتها اقسى القنابل وقوة المواطنين ورغبتهم في الحياة تتجاوز رغبة داعش في الدمار.
الرحلة السينمائية تكون من دمشق الى حلب، رحلة الحياة والتجاوز، رحلة تدعو الى الامل والتمسك بالوطن، رحلة سينيمائية تلتقي فيها الشخصية الرئيسية بشخصيات سورية اخرى لا تعرفها لكنها تشترك معها في هاجس حبّ الحياة والاندفاع نحو المستقبل رغم ما تركته الحرب من دمار هناك امل.

باسل الخطيب:
عدسة سورية وهوى فلسطيني
باسل الخطيب مخرج الفيلم مخرج سوري من أصول فلسطينية، يعد من أشهر المخرجين السينمائيين بعد أن بدأت إبداعاته في الأعمال التليفزيونية، من أهم أعماله السينمائية «مريم»، «الام» و«سوربون» الذي عرض في مهرجانات دولية ومحلية عديدة وحصل علي العديد من الجوائز، باسل الخطيب سوريّ الجنسية فلسطيني الهوى، وفيلم دمشق حلب» فيلم تينع داخله تفاصيل المقاومة والأمل من خلال رمزية المشاهد، فيلم عن سوريا في ربيع 2017 لكنه ينتصر للمقاومة الفلسطينية الحاضرة في نص الشخصيات ومواقفها.

راضية النصراوي:
طوبى للمرأة المقاومة وتبا للمرض
بهية الحضور، بدت كطفلة صغيرة تتعلم المشي وتحاول ان تحدد تعاليم المكان وتفاصيله، الشرسة والمقاومة سيدة الفكرة الحرية والمعروفة باندفاعها للدفاع عن الانسان راضية النصراوي لم يمنعها المرض من حضور افتتاح اسبوع افلام المقاومة، راضية بدت كطفلة صغيرة، ربما هي تأثيرات المرض لكنها كانت شامخة ومبتسمة، راضية النصراوي القوية حضرت بكل جمالها وهدوئها ورصانتها فبدت جميلة ومشاكسة ربما اتعبها المرض لكن طاقة داخلية تجعلها قوية، طوبى لراضية النصراوي القوية والثابتة وتبا للمرض الخائن و «لو كان المرض رجلا لقتلته» مع الاعتذار لصاحب المقولة الاصلية.

دريد لحام: من غوار إلى عيسى:
الوجع واحد والهاجس اوحد
ممثل متميز وشخصيات متميزة ابدع في تجسيدها منذ دخوله الى عالم التمثيل عام 1960، الممثل السوري دريد لحام يعود الى السينما بعد سنوات من الغياب يعود مع «دمشق حلب» بعد اخر الافلام «سيلينا» عام 2009، يعود دريد ليؤدي شخصية «عيسى عبد الله» المذيع الالمعي الذي اكلت الحرب داخله، لكنه لا يفقد ابتسامته وحكمته وثقته بالمواطن السوري، شخصية متجددة ابدع في تقمص تفاصيلها دريد لحّام الذي احبه الجمهور العربي في شخصية «غوار الطوشة» لسنوات طويلة.
عيسى عبد الله شخصية مختلفة هي انموذج عن الانسان السوري المحمّل بوجع الوطن والمسكون بتاريخ البلد ومحاولة الدفاع عنه وإنقاذ ما تركته الحرب من دمار نفسي في ابناء سوريا، عيسى عبد الله شخصية جديدة تقاطعت مع «غوار الطوشة» هو الشخص الذي يرمز إلى الشخص السوري العادي الذي كان يكافح من أجل لقمة عيشه ويتحدث عما يصادفه من مشاكل في حياته كلها، لكن غواراً هذا لم يكن لقمةً سائغة بل كان أيضاً شخصية ساخرة ومتصرفة. وقد برز غوار بوجه الخصوص في التمثيليات ثم قفز إلى منصة المسرح والتلفزيون، وبعد غياب تعود شخصية عيسى لتتقاسم وجع الوطن مع شخصية غوار، كلتاهما تشتركان في النقد والسخرية، كلتاهما مثقلتان بقضايا الانسان السوري وكلتاهما عنوان للشهامة وحبّ الوطن، عيسى وغوار شخصيتان تلخصان القيم والانسانية وتدافعان عن الحالم والبسطاء.
وبعد سنوات من الغياب يعود دريد لحام بسخريته وطريقته المميزة في تقمص الشخصية الى السينما يعود النجم السوري والعربي الذي قدم مسيرة سينمائية تجاوزت الـ 33 فيلم منها «عقد اللولو» و«لقاء في تدمر» و«الشريدان» و«غرام في اسطنبول» و«المليونيرة» و«انا عنتر» و«الثعلب» و«الحدود» و«كفرون» و«الآباء الصغار» يعود بشخصية جديدة وأداء متجدّد يؤكد انّ الفنان صوت المواطن وانعكاسه.

سيدة النضال جميلة بوحيرد في الافتتاح
جميلة هي جميلة بوحيرد، لازالت شامخة كما النخيل، لازالت مبتسمة ترفع شارة النصر كتلك الصور الموجودة في كتاب التاريخ، لحضورها ابهة لحضورها المشرق عظمة، جميلة هي جميلة بوحيرد، جميلة التي ترد صورها في كتب التاريخ حضرت في افتتاح اسبوع افلام المقاومة والتحرير فكانت شعلة من الحياة والانتصار، جميلة عنوان الثورة الجزائرية، جميلة رمز المرأة المقاومة، جميلة رمز الحرية والفكرة المنتصرة دائما للوطن، تلك التونسية الجزائرية كانت مساء 20جانفي كبطلات السينما نجمة تلمع في سماء الحرية، تحدثت عن الوطن واهدت كل انتصارات الحياة للشهداء، جميلة بوحيرد فكرة لا تموت، تلك المرأة التي رفعت منذ طفولتها شعار «الجزائرأمنا» تلك التي قاومت الاستعمار بفكرها وقلبها وجسدها وحملت السلاح مع «الخاوة» وكانت امرأة شديدة ومقاومة شرسة ضد الاستعمار الفرنسي حضرت بكامل شموخها الى المدينة ورفعت شارة النصر وأهدت كلماتها الى ارواح الشهداء، حضور جميلة كان مختلفا يفوح منه عطر التمرد والقوّة والحرية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115