فتوزر جنة تجري من تحتها انهار الحب والجمال، توزر جنة للحالمين وللباحثين عن موطن للدفء والجمال ومنذ القوس الكبير في مدخل المدينة المكتوبة في أعلاه هذه المقولة إلى كل الأقواس المرابطة داخل المدينة جميعها تتغنى بتوزر وجمالها وتتغنى بإرادة الإنسان واذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر كما هو مكتوب بعد مدخل المدينة مباشرة.
هنا توزر جنة على الأرض توزر تصبح أجمل في الشتاء فنخيلها الباسق يحول الرياح القوية الى نسمة خفيفة الظل والهوى، توزر تكون في الشتاء قبلة لكل العشاق فشمسها تنعكس على الرمال الذهبية فتصنع لوحة تشكيلية كانها انعكاس لروح فنان عاشق ومتيم بحبيبته الصحراء، توزر «الخضار والنوار» توزر رحلة في صفحات التاريخ الانساني وقصة الإنسانية وتجوال في الجغرافيا يقدمها لك متحف «الشاق واق» فهلّا خضت الرحلة الممتعة.
الطريق إلى الواحة تحاكي الطريق إلى المتعة
شمس شتوية خجولة، تصعد في السماء تدريجيا كما ضحكة عاشقة خجولة لازالت تتلذّذ بعبارات الحب الأولى، شمس الصباح يصحبها هواء منعش، تنشر أشعّتها فتلمع الرمال ويظهر اخضرار النخيل أكثر جمالا فتبهرك الواحة من بعيد وتجذبك اليها بطاقة غريبة كأنها تدعوك لزيارتها والاستمتاع بموسيقاها.
الطريق إلى متحف «الشاق واق» ليس ببعيد عن مركز المدينة، دع البنايات وزخرفتها إلى ما بعد الجولة، لك ان تأخذ «الكاليس» وتستمتع بالجلوس والإنصات إلى الموسيقى التي تصنعها حوافر الحصان وهو يجري قاصدا الواحة الهادئة، أما الاختيار الثاني فهو الامتع وهو المشي والتجوال في الواحة ومعانقة سحر المكان إلى حدّ الوصول إلى الشاق واق» سنختار الثانية فالجولة في واحات توزر لا تتكرر والشبق الذي تحدثه في نفسك المناظر الطبيعة لن يعيده الزمن مرة أخرى، فلنبدأ الرحلة ولنستمتع بجولتنا وقبلها نضع الهاتف على وضع الصامت وننسى التكنولوجيا ولنعشق تفاصيل المكان.
رحلتنا ستبدأ من الطريق المحاذية لمقر الولاية، سنختار أسهل السبل إلى الواحة، بعد خمس دقائق در إلى اليسار، تمش قليلا لثلاث دقائق قبل أن يعترضك مجسم للعلامة والمهندس والقاضي ابن الشباط مهندس المياه الأول في ارض الجريد ذلك العالم الذي وضع طريقة لتقسيم المياه لازالت أعجوبة ولازال يصفها الكثيرون «المعجزة»، فتوزر تتدفق فيها المياه في منطقة «راس العين» وتشكل جميعها نهرا صغيرا يتوزع إلى ثلاثة أودية تتفرع بدورها إلى ستة جداول وتنتشر على كامل الواحة ومنها واد الصابون المحاذي لتمثال ابن الشباط الذي جسّد واقفا رافعا يده إلى السماء كعلامة على الشموخ والعظمة.
تأملت المجسم، اذن فلنكمل الرحلة ودع تمثال ابن الشباط ينظر حزينا إلى الصفرة التي أكلت جسمه والأوساخ التي ملأت الحوض المبني قبالته، أكمل جولتك فموسيقى الواحة بدأت في الارتفاع واترك ابن الشباط يسأل نفسه «ماذا لو كنت في بلد آخر؟ هل سيأكلني الغبار هكذا، هل ستكون ساحتي بكل هذا العفن والرائحة الكريهة؟».
واحات توزر الغنّاء، تستقبل الزائر بألوانها الطبيعية الساحرة، النخيل الباسق الى السماء والأشجار الاخرى التي تنبت حذو النخلة تعطي صورة تشكيلية ممتعة، بعد مشي خمس دقائق أخرى الى يمينك أيها الزائر فضاء «صحراء لانج» هو فضاء ثقافي وترفيهي فريد من نوعه، حسنا لك ان تدخل وتكتشف المكان قبل ان مواصلة الجولة، صحراء لانج باب خشبي بني اللون صنع من خشب النخيل، ممرات عديدة جميعها غرست بأنواع نادرة من الورود، كذلك هي متحف نباتي يوجد فيه أنواع من الأشجار المثمرة والشجيرات التي تنبت في الصحراء هنا أوراق الأشجار لونها اخضر تماهت مع صفرة اشجار الموز فقدمت لوحة تشكيلية مبهرة وفي الفضاء يقدمون فرصة «الطيران» عبر الحبال التي تربط بين النخيل فيقبل عليها السياح والتونسيون للمتعة ومشاهدة الواحة من علوّ.
الواحة تصنع موسيقاها، الرياح المصحوبة ببعض الحرارة تصل الى اعماقك، لازالت خمس عشرة دقيقة وتصل الى «الشاق واق»، هل تعبت؟ اذن لك ان تجلس على الكرسي الأخضر الطويل إلى يسارك وأن تتأمل قليلا في الجدول المملوء بالاسماك الصغيرة فهذا الجدول جزء من العيون التي تتدفق لتبعث الحياة في الواحة.
قارءنا العزيز، صديقنا في الجولة فلنكمل الرحلة المتعة في الواحة ولتملأ ناظريك بجمال النخيل المشرئبة إلى السماء، ها قد وصلت أخيرا، دع تلك الضوضاء التي يحدثها سياح يريدون التقاط الصور مع «الجحفة» وآخرون يبحثون عن بائع الأكلة الشعبية «المطبقة» فلتشبع روحك وللمعدة نصيبها بعد ذلك، فهلّا اقتنيت تذكرتك واخذت نفسا عميقا ولنستمتع سوية برحلتنا في التاريخ.
«الشاق واق» مميزة كما المدينة الاسطورية
الشاق واق مدينة اسطورية تفنن في وصفها من كتبوا ادب الرحلة والاساطيرّ، في توزر تصبح الشاق واق رحلة الانسان، هي رحلتك انت عبر التاريخ والحضارات انطلاقا من الدراسات العلمية والدينية والتاريخية، قبل الدخول اضغط على الزر لتسمع التسجيل الصوتي الذي سيرافقك طيلة جولتك ليقدم لك تفاصيل المكان ولك حرية اختيار اللغة (العربية أو الفرنسية أو الانقليزية).
الغرفة الأولى تحاكي تطور الإنسان حسب النظرية التي تقول انّ اصل الإنسان قرد، وعلى كامل الجدار وضعت خرائط وكتابات تعرف بمرحلة الإنسان البدائي، خارجها «قنطرة» صنعت من الخشب كأنها ستحملك إلى عصور ما قبل الإنسان، فكهف مظلم فقط حاسة اللمس ستوصلك إلى خارج ذلك الكهف الذي أصبح آخره متحفا رسمت فيه أنواع من الديناصورات فالكهف يحملك تحديدا إلى فترة وجود الديناصورات ولمسافة طويلة وضعت مجسمات بأشكال وارتفاع يكاد يكون حقيقيا للديناصورات وأنواعها وللذكر مثلا protoceratops الذي يعود إلى 136مليون عام وحذو كلّ مجسد لافتة تعرف بالديناصور والفترة التي يعود إليها فالجولة تعود بك الى 500مليون عام وأكثر.
وها أنت تسمع الانفجار وأصوات ارتطام تشعر انها حقيقية، قبل أن يظهر الإنسان البدائي من خلال صورة فوتوغرافية كتب فوقها HOMO heidelbergensis، وهي مصدرها «قصة الاسان» delachaux et niestlé
ستجد حواليك مجموعة من المجسمات والغرف الحجرية التي سكنها الإنسان البدائي عاريا أمام النار يشعلها للتدفئة، وتتطور الحياة ويتطور الإنسان والحضارة وتتطور ممارسات الإنسان وأعماله من مجرد الصيد إلى امتهان الفلاحة والنجارة وغيرها من المهن اليدوية.
لا تعبر عن اندهاشك مازال الكثير لتراه، لازالت المتعة ولازال تاريخ الإنسان لم يكتمل بعد ، هاهو صوت يأتيك من بعيد صوت لهدير امواج البحر، فألواح عديدة تراها من بعيد، في الداخل ستجد زوجين من كل شيء وتلك سفينة نوح النبي.
النخيل هو الميزة الرئيسية في الجولة فالنخلة جزء من ذاكرة التوزري وهي جزء من تاريخه ايضا وفي «الشاق واق» تصبح النخلة رديفا للفن والإبداع والخلق.
الشاق واق متحف للتاريخ، للإنسان وللبشرية، متحف يختزل تاريخ الإنسانية في جولة ساعة ونيف من الزمن، سفينة نوح تغادرها منتش ببرودة تسري في عظامك رغم حرارة الطقس، ارفع رأسك قليلا، الى الأعلى اكثر وتأمل تمثالي ادم وحواء، حوّاء بشعرها الأسود الطويل والثعبان حذوها وأدام ينظر إلى الشجرة وأعلاها تفاحة شديدة الحمرة.
بعدها تعترضك الحضارة الفرعوية بكل مجسماتها وزخرفتها المبهرة، منحوتات كبيرة تسحر ناظريك، مجسمات للفراعنة ولحضارة تركت أثرها في الانسانية، المكان المخصص للحضارة الفرعونية جد مميز فهو غني بالمنحوتات التي تجسد آلهة الفراعنة وتقاليدهم وحضارتهم، بعدها تكون المفاجأة والإبداع التقني في صناعة «اليمّ الذي ابتلع فرعون وجنوده وهم يلاحقون النبي موسى، اليمّ صنع بدقة إلى حدّ انك ستشعر أن المياه الى جانبيك برذاذها الابيض وهديرها القوي وكأنها ستبتلعك بعد اليم ستجد مجسما لبني اسرائيل والعجل الذهبي.
هنا الكثير من المعلومات لك ان تدون بعضها، الكثير من المتعة البصرية التي أبدع نحاتون وتشكيليون في تقديمها للمقبل على الشاق واق، هاهو صوت قارئ يقول ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة , قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا»(23) منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا»(24) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا» جنيا»(25) فكلي واشربي وقري عينا» ) «من سورة مريم»، في الداخل تعترضك صورة لمريم العذراء ومجسمات لولادة المسيح، وأصوات الاهازيج الكنسية ترتفع في القاعة التي تشعرك انك في الكنيسة حقا حيث تتلى صلواتهم وتستمع الى قصة المسيح وامه مريم العذراء فهنا تمحي الفوارق والحدود الزمنية والتاريخية وتشعر انّك تمرّ بين الحضارات دون خوف فقط متعة الاكتشاف تقود فضولك.
الفينيقيون ثمّ الإسلام: حضارة العلم والإنسان
القائد العظيم يستقبلك بنفسه، يرحب بك في عالمه سيصحبك في جولة حروبه وانتصاراته، حنبعل العظيم قائد جند قرطاج يكون عنوانا للفترة الفينيقية بمجسم نحت على الحجارة الصماء كأنه يذكر التاريخ انّ لهذه الأرض قادة شامخون فيها كالحجارة التي لا تتفتت والجبال التي تنحني.
حنبعل وفينوس والهات الجمال والحب في ارض الفينيق تكون مصطفة في ممر مبهر، ممر ينتهي بمجسم لساحة الفوروم بقرطاج، قرطاج الحكمة والمعرفة، الفترة الفينية تميزت بالجمال، أشجار وورود غرست حول التماثيل التي شوه بعضها بالكتابات أما باللون الأحمر أو الأسود، لكنها ظلت جميلة تخبر الزائر عن تاريخ هذه الأرض ورموزها والحروب الكثيرة التي خاضها الفينيقي لحماية الأرض والهوية والذاكرة.
«اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرا وربك الاكرم، الذي علّم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم» هكذا يرتفع الصوت ليعرف الزائر انّ الرحلة اوشكت على النهاية بدخول الفترة الاسلامية، فيعترضك مجسم لجامع كبير كتبت فوقه سورة «العلق» كاملة، ثمّ قاعة كبرى اوّلها مجسم لكتاب القرآن بحجم كبير وصور لآيات كتبت بالخط القيرواني والكوفي وانواع متعددة من الخطّ العربي فمجسم لجامع عقبة بن نافع فاتح القيروان والجامع منذ البداية كان منارة للعلم والمعرفة.
خارج القاعة مجسمات لعظماء ساهموا في بريق التاريخ الاسلامي على غرار ابن رشد و ابن زهر وعمار بن علي الموصلي وابن الجزار وابي القاسم الزهراوي واخرهم العلامة ابن خلدون حاملا مقدمته شامخا كأنه يدعو كل من يزور المتحف للقراءة وفهم التاريخ والحضارات من الكتب.
رائحة عطرة تفوح في المكان، أشجار «النارنج» تطلق زهراتها رائحة زكية ومميزة تماهت مع صديقتها شجرة الياسمين لتنعش الروح والذاكرة، ها قد انتهت الجولة وها انّنا اتممنا رحلتنا التاريخية والانسانية في متحف الشاق واق، قارءنا العزيز هل استمتعت بتفاصيل المكان مثلنا؟ هل ملأت رئتيك بالاوكسجين وغازلت النخيل وأنصتّ إلى موسيقاه؟ لك الان ان تملأ معدتك ان كنت جائعا فالجولة الطويلة ربما قد تصحبها زقزقة عصافير المعدة ونشوة الروح بسحر المكان.