مسرحية «هوّة» إخراج سفيان شبيل ضمن مهرجان «حضر موت» في سوسة: المسرح صوت الباحثين عن الحقيقة

كيف السبيل للوصول إلى الحقيقة؟ هل الحقيقة واحدة أم متعددة؟ أيهم الأصح الباحث عن الحقيقة أم المسلم بالموجود والمتصالح مع الوجع؟

هكذا تتساءل الشخصيات في مسرحية «هوة» العمل الناقد والمشاكس، مسرحية تتساءل عن الإنسان والقيم، عمل يغوص في نفسية الإنسان يشرحها على الرّكح ليعري ظلمها وبحثها الدائم عن الدم قبالة تجاهلها لبصيص الأمل الذي ينفذ بين خبايا القلب هكذا يمكن وصف مسرحية هوة التي عرضت في اختتام مهرجان حضر موت بسوسة.

«هوة» مسرحية اقتبستها وتونستها سارة الحلاوي عن قصة «رقصة الموت” للكاتب السويدي «أوغيست سترنبرغ» وهي مسرحية من إخراج سفيان شبيل، وإنتاج شركة «بورحمة» للإنتاج والتوزيع الفني، وأداء كلّ من يحيى فايدي وزياد المشري وسارة الحلاوي وإضاءة وصوت شوقي مشاقي وتنفيذ السينوغرافيا وتوظيب ركحي لمحمد علي بن الشادلي..

الشخصيات تكتب
المسرح نقد، المسرح فعل متمرد على الموجود على الركح تكتب القصص وتصاغ القيم لتقدم الى المتفرج، المسرح وعاء للتمرد والأفكار المختلفة، هكذا يمكن الإشارة الى مسرحية «هوّة» للمخرج سفيان شبيل، للعنوان أكثر من دلالة، فـ«هوّ...ة» الضمير المتصل ثمّ نقاط فتاء التأنيث تحيل إلى فكرة التباعد بين الهو والهي، والهوّة هي الحفرة المظلمة التي لا نعرف بدايتها هي المكان الذي توجد داخله الشخصيتان الرئيسيتان في المسرحية.

«هوة» مسرحية تحاكي الصراع بين المرأة والرجل والصراع بين العقل والجنون بين السجن والحرية، وبين الحياة والموت، المتناقضات جميعها يلتقيها المتفرج في مسرحية تحمله إلى تفاصيل الصراع الموجع، الصراع الذي ينزع الأقنعة تدريجيا قبل الوصول إلى حقيقة الإنسان.

الحبال تتدلى في كامل الرّكح، حبال متينة كأنها الأفعال التي تشد الشخصيتين إلى العالم الأرضي، الحبال أيضا هي التي يستعملها البحارة في مراكبهم وبين الفينة والآخرى يسمع صوت لهدير الباخرة وهي تعلن عن وصولها إلى الميناء فجزئية الحبل تحمل المتفرج إلى عوالم المكان القريب من البحر هناك في جزيرة مهجورة يعيش زوجان اختارا المنفى هربا من جريمة ما، وفي ذلك المنفى الاختياري تدور الحكاية ويعيش الزوجان أكثر من خمسة وثلاثين عاما، رحلة عمرية تبدأ بالصراع والاختلاف وتنتهي به، الصراع على الركح صراع الإنسان وأخيه الإنسان منذ الأزل، هو صراع المرأة والرجل صراع الحقيقة والزيف، صراع الكذب والصدق، صراعات كتبها الممثلون بأجسادهم وأبدعوا في تشريح الشخصيات وتقمص تفاصيلها إلى حدّ عدم التمييز بين الشخص والشخصية.

في «هوة» تطرح أسئلة كثيرة عن الإنسان، عن الخطأ والخطيئة، أيهم اسقط الآخر في الهوة، الفنانة التي عشقت الجنرال فتزوجها واجبر على التخلي عن أهله وأصدقائه للبقاء مع المرأة العاشقة، أم أن الجنرال اسقط الفنانة المحبة للحياة في هوة الأوامر والصرامة والتعليمات العسكرية؟ أما كلاهما سقط في هوة الخوف من الوحدة ثمّ هوة الخوف من المجتمع؟، أسئلة عديدة تبدأ بالإنسان وتنتهي إلى السؤال عن الإنسانية؟ وجدوى الصراعات والحروب التي يخوضونها يوميا؟.

هوة مسرحية تعري بؤس الإنسان وتعري الوحش داخله، تكشف الاحداث أن الجنرال القاسي قتل ابنته لأنها أزعجته بضجيجها والزوجة تبحث منذ خمسة وعشرين عاما عن حل لتقتل الجنرال ومعه ذكريات سنوات الزواج، أما الضيف الذي جاء دون سابق إعلام فهو الآخر يهرب من ماضيه ومن زوجته وحكاياته ويريد إيجاد حبيبة الطفولة واسترجاع لحظات الحبّ ومع تصاعد الأحداث يكتشف المتفرج انّ الهوة بين الإدراك واللاادراك هي الأخرى اتسعت هي الأخرى لأنّ الزائر شخصية متخيلة فقط في ذهن الزوجين ولا وجود لها في الحقيقة.

«هوة» مسرحية ناقدة مسرحية تبحث عن الإنسان داخلنا، عمل ينطلق من الترميز لنقد الصراعات الإنسانية التي يعيش على وقعها العالم، هوة عمل تكون السينوغرافيا فيه رافدا للاختلاف والشخصيات عنوان لعمل متكامل من خلال إتقان الأداء والحرفية في التعامل مع الفضاء فالمسرحية جمعت بين ممثلين متميزين في المسرح التونسي فسارة حلاوي مبدعة مسرحية تؤمن ان المسرح فعل متمرد وخلق مستمر ويحى فايدي ممثل محترف يتقن جيدا تفاصيل الشخصية وزياد المشري لحضوره تأثيره الايجابي في العمل، اتحد الثلاثة لاتقان نص عالمي تونسته سارة حلاوي فكانت هوّة صرخة للحياة ضدّ كل اشكال الظلام والموت، صرخة تماهت فيها مقومات العمل المسرحي المتوازن والمتكامل.

المسرح ترميز ودعوة إلى التفكير
المسرح ترميز، شيفرات تكتب ويترك للمتفرج حرية حلها وإعادة تركيبها مثل قطع «البوزل» في «هوة» الكثير من النقد، انطلاقا من نص عالمي كتب منذ اعوام ينقدون الوضع الحالي للتونسي، فالاغتراب بين الشخصيتين في المسرحية و»الهوّة» الموجودة بينهما سببه قلة الحوار وانعدامه أحيانا هي نفس الهوة التي يعيشها المشهد السياسي التونسي، هي الهوة والاختلاف وتناقض الرأي وعدم الاستماع إلى الآخر تحت قبة البرلمان مما يحدث الكثير من الضجيج والجعجعة دون «نتيجة»، انعدام الثقة بين الزوجين وتشكيك كلّ منهما في الآخر هي انعدام الحوار بين السلطة والنقابات، هي الصراع «المخفي/المعلن» بين ممارسي العمل النقابي وممارسي الفعل السياسي، هي أيضا العائلة التونسية المشتتة بسبب عدم استماع طرف إلى آخر، فالهوّة ليست مجرد نص مسرحي وانقسام بين شخصيتين بل مسرحية مشاكسة وناقدة انطلقت من نص عالمي وأسقطته على الواقع التونسي فكان العمل حمّال معان وشيفرات نصّ يقبل التحليل ويدعو المتفرج الى اعمال العقل لفك شيفراته ورموزه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115