افتتاح «مسرح المدينة» في المزونة: للمسرح مناضلوه وصرخاتهم تفتت كل المعوقات فأنصتوا

الإرادة هي التي تدفعك إلى الخطوة الأولى على طريق الكفاح، أما العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق حتّى النهاية،

وعزيمة عبد الفتاح الكامل وجمعية أضواء المدينة يبدو أنها اشد صلابة من حجارة جبل بوهدمة، عزيمة لم يثنها البعد عن المركز ولا البيروقراطية الإدارية عن الحلم وتشكيل الأحلام على أرض الواقع لتزهر إبداعات الأطفال وتضيء أنوار الفن والثقافة في مدينة «المزونة» من ولاية سيدي بوزيد.

بولادة «مسرح المدينة» المولود الثقافي الجديد ابن فضاء اضواء المدينة الذي ولد منذ عامين ونصف، ومسرح المدينة ولد بالشراكة بين جمعية اضواء المدينة وصندوق الابداع الثقافي بسفارة ألمانيا وهو لبنة اخرى للحلم ولترسيخ لامركزية الفعل الثقافي.

أضواء المدينة تشع على الأفكار الثائرة
طريق طويلة، كيلومترات عديدة تطويها سيارة الأجرة قبل الوصول إلى مدينة المزونة، من العاصمة إلى المزونة، من المركز إلى الهامش مدتها أربع ساعات ونيف، رحلة ترى إلى جانبي الطريق إليها قصص التونسيين وحكاياهم، انطلاقا من البناءات المرتفعة في المركز وقصص التونسيين في محطة «المنصف باي» (تونس)، مرورا بمن يصنعن الصوف بألوانه المبهرة في «كندار» (سوسة)،وصولا إلى بائعات «الطابونة» وقصصهن في «الشبيكة»، وصانعي القصب ومرتبيه بكل دقة في «بوحجلة» الى الشراردة (القيروان)، فبير علي بن خليفة (صفاقس)،والزياتين المنتشرة و»الجمّاعة» منغمسين في معانقة الزيتون والالتحام بحكاياته، وصولا إلى «الرواشد» (سيدي بوزيد)، أربع ولايات تمرّ بذهن المسافر ولكل طريق قصة وحكاية تصبح مادة ثقافية ممتعة ومشوقة للزائر.

ثمّ «المزونة» المدينة التي احتفت بالفن والثقافة مع اوّل فضاء ثقافي خاص وهو «أضواء المدينة» الذي افتتح منذ عامين، ليتطور الحلم وتتشكل تفاصيل العزيمة وتعاد الأشغال ليصبح للفضاء قاعة عرض كبرى، قاعة تستوعب كل التلوينات الإبداعية وتحتفل المدينة بافتتاح «مسرح المدينة».

في الشارع الرئيسي بالمدينة يوجد الفضاء،باب ازرق اللون، لافتة كبرى ترحب بضيوف المدينة المتعطشة للفنون، ممر زينت جدرانه بأبهى الألوان، باب غرفة أولى، رسم فيها أجمل الرسومات، ألوان الحياة وعبارات عن الفن والشعر والموسيقى مع صور لمحمود درويش وفاطمة بن سعيدان وتشي غيفيرا وشكري بلعيد وعدد من الشخصيات المؤثرة في عقول وأفكار أصحاب الفضاء

«أضواء المدينة» هو الفضاء الأول الذي افتتح منذ عامين وكان صغير الحجم، افتتح آنذاك بمجهودات أبناء الجمعية وأموالهم الخاصة، افتتح لتضيء شموع الفن في مدينتهم المزونة، والفضاء أساسا كان مقر التجمع الدستوري الديمقراطي وقد تمكنت الجمعية من الحصول على ترخيص من البلدية لتحويله إلى فضاء ثقافي، ومنذ عامين انطلقت أشغال التهيئة والتجهيز والترميم والإصلاح بمجهودات أبناء الجمعية ومن أموالهم الخاصة ومساعدات المواطنين الذين هبوا لنجدة الحلم والوقوف إلى جانب الحالمين بمشروعهم كما حدثنا عبد الفتاح الكامل رئيس جمعية أضواء المدينة.

في هذا الفضاء الصغير من حيث الحجم توجد مكتبة جد محترمة، هي هدية من المواطنين ومن مجموعة من الكتاب التونسيين مناصري الحلم في الجهات الداخلية وأجمل ما في الفضاء تلك الجدارية الكبرى التي كتب فيها «فن، مسرح، ديمقراطية، أمل، الحق في الحياة، الثقافة» وكلمات اخرى جميعها تنادي بحق ابناء الجهات في الثقافة وترسخ للامركزية الفعل الابداعي في ربوع المزونة مدينتها وريفها كلمات يحرسها احمد فؤاد نجم بصورته البهية المرسومة على الجدار.

مسرح المدينة قبلة عشاق الفن
«القليل من الإصرار يقابله الكثير من الانجاز، وما يبدو لنا فاشلا مخيبا للآمال قد يتحول فجأة إلى نصر مجيد» مقولة لالبرت هوبارد تنطبق على الحالمين هنا في ربوع المزونة، فبعد افتتاح فضاء «أضواء على المدينة» وانجاز تظاهرة «المقاهي الشعبية» ومجموعة من العروض المسرحية والفرجوية للأطفال وللكبار في المزونة أصبح الحلم اكبر، والفضاء لا يتسع للأحلام ولا للعدد الغفير من الجمهور، ومن هناك ولدت فكرة انجاز «مسرح المدينة» وبعد نقاشات ومشاورات استجاب صندوق الثقافة للجميع بسفارة ألمانيا للمشروع الحالم، وانطلقت الأشغال وها هو المسرح يفتح ابوابه للمدافعين عن حقّ الجميع في الثقافة.

«مسرح المدينة» اوّل فضاء مستقل للعروض الفنية والثقافية بجهة سيدي بوزيد وسيكون من أكبر فضاءات العرض المستقلة في الجهات الداخلية بمساحة 182 متر مربع وبركح متحرك قادر على استيعاب كل التعبيرات الفنية والابداعية ويتسع لاكثر من 250 متفرجا بجداريات غرافيتي ضخمة مستوحاة من فنون الشارع، هكذا يمكن وصف المسرح، المستطيل الشكل، فضاء ضخم، مدرجاته من الخشب تتحول إلى كراس وفي مرات قد تصبح ركحا، في الداخل عالم من الرسومات، ألوان مبهرة وقصص خلدها التاريخ كتبها عارف السبوعي ومحمد الفاهم وثلة من الحالمين بالألوان على جدران المسرح فالمسرح تحفة في الفن التشكيلي.

«مسرح المدينة» أول فضاء للعرض بهذا الحجم، فضاء سيكون حاضنة للأفكار وللإبداع هو مكان للقاء الأفكار المختلفة، فالاختلاف الفكري مادة ثرية والاختلاف يرسي نوع من الثراء وبالاختلاف نبني وحدة صمّاء قوية تتقدم بالفعل المسرحي في المزونة حسب تعبير صاحب الفكرة والمشروع، ليكون المسرح لبنة أخرى لمواصلة الفعل المسرحي الثري الذي سبق وان ساهم في تنوعه فضاء أضواء المدينة من خلال أساتذة المسرح المختصين عبد الفتاح الكامل وقيس عمايرية وحسام المسعي، فهنا لا يمكن للظروف أن تقهر العزيمة وأن تقهر حب المسرح لانّ اصرارهم وتصميمهم على نحت مشهد مسرحي يعبر عن تنوع ثقافي يعرفه ابناء الجهات الداخلية وهو أشد قوة من الظروف.

الشعر سيد الكلمات
التقوا على الكلمة، جمعهم حب القافية والكلمات التي تؤجج مشاعر الحب والتمرد، الشعر سيد المكان في افتتاح مسرح المدينة، بعد العروض المسرحية والموسيقية كان للشعراء نصيبهم من لقاء المتعة ونشوة الثقافة فقرأ الشعراء ماجادت به القريحة، تغزلوا بالام بالوطن وبالوجع، لامه استحضر علي زمور قصيدا كتبه في السجن المدني بصفاقس في الثمانيات بعد كتابة قصيد اتهم فيه بسبّ «رئيس الجمهورية»ّ، قصيد ملئ بشجن ووجع شاب حرم من حريته فقط لانه نقد رئيس الجمهورية.

في «مسرح المدينة» كان لقاء محبي الكلمة مع شاعر له قدرته على منافسة كبار الشعراء، شاب مغرم بالكلمة وينظم القصيد بكل حرفية، من بني خداش جاء الى المزونة محمّلا بالشعر والحب وقرأ مجموعة من القصائد ومنها قصيد بعنوان «الى صديقي فؤاد او السيرة العطرة» ويقول فيها:
روح صعدت
قالت الارض وهي تعد حقائبها
كي تعيدك من لغة في البعيد
شجر يرفع الان اغصانه للصلاة وعشب يغني:
من الصاعد الان انت ام الضوء، انت ام الظلّ
تزورّ ذات اليمين وذات الشمال لكي لا ترى
ضاحكا
كلما مرّ من «شارع لا يؤدي الى هدف»
ساخرا...
من ذبابة سارتر، رصاصة فان غوغ،
رسائل كافكا، نهاية لعبة بيكيت، كراس يجين يونسكو، شوارب نيتشه
يحدّق فيهم ويضحك، يضحك، يضحك
ملء حواسه يضحك، يعلم ان مدينته تقتل الفعل ثمّ تؤسس للماوراء
كان يعرف هذا الخراب لذلك غادر أرض الخطيئة.
«مسرح المدينة» متحف مفتوح للألوان

يا عاشق الألوان هلمّ لتسحر عينيك ببريق اللون واختلافاته وتشكلاته، يا عاشق الألوان في مسرح المدينة تجد ضالتك من الرسومات والألوان، فهنا اجتمعوا على اللون واجمعوا أن تكون مدينتهم قبلة للّون ويكون المسرح فكرة ملونة برسومات تعبر عن أصحابها وتنقل أفكار وشعارات ثقافية بالفن التشكيلي والغرافيتي والكولاج وكل التقنيات التي يستعملها الرسام في لوحته.

منذ المدخل الخارجي وصولا إلى الفضاء ثم المسرح، تعبيرات الغرافيتي تؤكد بصمتها، بورتريهات لمشاهير وكتاب وعظماء خلدهم التاريخ وهاهي ريشات الفنانين تعيد استحضارهم من محمود درويش إلى كافكا الى نيتشه إلى فرحات حشاد وفيروز وأسماء أخرى جميعهم اشتركوا ذات مرة في النضال لأجل الفكرة والحق وها أن الرسامين يجمعونهم في مكان واحد ليشاركوهم نفس الفكرة والتوجه.

عارف السبوعي ومحمد الفاهم ومجوعة «الانويت» هم عشاق اللون، عشاق الأمل عشاق الحياة، جسدوا عشقهم لمدينتهم بالغرافيتي، يسمون بالجيش، جيش منظم يعمل ويتقن عمله، جيش الانويت، المجموعة الفنية التابعية لجمعية انوار المدينة، منذ مدة وهم يلونون جدران الفضاء زينوه بأجمل الشعارات، فهناك يمكن ان تخاطب احمد فؤاد نجم وتتأمل دقة ملامحه، لك ان تحيي الدوعاجي ودرويش وأولاد احمد فجميعهم اجتمعوا في قلب الفضاء الوليد، لكن المجموعة لم تكتف بالأسماء المحلية بل انفتحت على كل التلوينات الإبداعية العالمية، فمسرح المدينة أصبح متحفا للفن التشكيلي والغرافيتي، متحف مبهر أبدع حراس الألوان في تزيينه والتأكيد أن على هذه الأرض كل الحياة.

تكريم سامي النصري:
كرّم مسرح المدينة في يوم افتتاحه ثلة من المساهمين في دفع الفعل الثقافي في الجهات ومن بينهم سامي النصري الذي أكد في كلمته انّه يتشارك مع عبد الفتاح الكامل في فكرة اللامركزية، يتشاركون في الحلم والإرادة، ويتشاركون في الإيمان بحق الجهات في الثقافة وفي فضاء ثقافي يخلق ديناميكية ثقافية وإبداعية في مدينة تحتاج إلى الفن لأن الفن وسيلة تقدم الشعوب.

تكريم جريدة المغرب
«للصحافة الثقافية دورها في الدفاع عن اللامركزية» فالصحافة صوت أبناء الداخل والجهات، هي الداعم الاول للمبدعين في الجهات لذلك تم تكريم جريدة «المغرب» في افتتاح «مسرح المدينة» حسب تصريح عبد الفتاح المامل.

Cuba band موسيقاهم تصنع الحدث
نوتات موسيقية ممتعة، موسيقى تغالب الإحساس بالتعب بعد أربع ساعات من الطريق، موسيقاهم مثل البلسم الذي يسري في الجسد فينسيه وجعه ويراقص الروح لتتجول في عالم أجمل وأكثر حرية، في مسرح المدينة بالمزونة كان الموعد مع الموسيقى مميزا ومختلفا، لقاء مع إيقاعات الفلامنكو ورقصات الحالمين بالحرية، موسيقى التانغو الساحرة وموج بين إيقاعات تونسية ونظيرتها من الموسيقى العالمية لكتابة نمط موسيقي مختلف اثّثه مجموعة من الشباب الذي اقبل من مدنين محمّلا بموسيقى الحياة لتقدم المجموعة التي سموها «كوبا باند» أجمل النغمات المتنوعة والمختلفة اختلاف أفكار الشباب الحالم بالتجديد في الموسيقى.

توفيق سبيكة: المعلم المبدع
معلم مبدع ومختلف، يؤمن ان للفنون دورها في تمتين علاقة التلميذ بمدرسته وبتعليمه، توفبيق سبيكة من الأسماء المدافعة بشراسة عن حق أبناء الريف في الثقافة وله تجارب متعددة مع تلاميذه في المسرح، معلم بات رمزا للمسرحي المبدع في ريف المزونة وهو من المكرّمين في افتتاح مسرح المدينة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115