مسرحية: «الدنيا والزمان» إخراج سالم الورغي ضمن مسرح الحرية في مركز الإصلاح والإدماج بالمروج: نحن الذين نظلم انفسنا ...

هل نحن مخيرون ام مسيرون؟ هل نحن الذين نختار مصيرنا أم الحياة تكتب مصائرنا؟ هل نحن من يلجأ إلى الشر والعنف ام أننا مجرد أدوات تحركها الدنيا كما تشاء،؟

أنحن أصحاب القرار في أفعالنا أم انّ الدنيا وحدها صاحبة القرار ونحن ننفذ دون تفكير؟ أسئلة ذات بعد وجودي طرحت بسلاسة في مسرحية «الدنيا والزمان» من تقديم نادي المسرح بمركز الإصلاح بالمروج.

«الدنيا والزمان» مسرحية للمخرج سالم الورغي تقديم مودعي المركز هي مسريحة تنقد سلبية الإنسان وتؤكد انه المسؤول عن قراراته الخاطئة وتدعو بطريقة مباشرة إلى الحلم والسعي إلى العمل على تحقيق الإنسان إنسانيته.

منصة تتوسط الركح، إلى اليمين أغصان خضراء ترمز إلى الأشجار والربيع والأحلام المزهرة، إلى اليسار مجموعة من الأخشاب مقطعة الجافة كأجساد ماتت أرواحها، او أحلام تساقطت مثل وريقات الخريف، موسيقى الناي الحزينة تنبعث في كامل القاعة وتصمّ الأذان علها ترج النفس لتتفاعل معها وتسمع صرخات متأتية من بعيد، إلى الركح تخرج مجموعة من الأجساد تحمل شموعا، شموع تتلألأ مثل الأحلام الوردية التي تسكن الطفل، يتحركون بهدوء يضعون الشموع أرضا، بعضها ينطفئ انطفاء حلم صاحبه، ثم تبدأ رحلة الجري والبحث عن شيء ما؟.

السينوغرافيا تحاكي وجع الطفولة
تتسارع الخطوات، حركات الأقدام تصنع موسيقى العرض، الضوء يصبح احمر كما الدماء ثم يتغير تدريجيا إلى الأصفر فينعكس على الوجوه الشاحبة التي اعياها الجري. كل يمد يده إلى المجهول وتبدأ المسرحية فيقولون « جينا نفركسوا عالدنيا، على عملتوا فينا، قالونا الدنيا زينة اما الظروف حكمت علينا، وينك يا دنيا اعطينا فرصة واسمعينا» صرخات الوجع هنا تحمل الدنيا كل أفعال الإنسان تحملها جهله وفقره وخوفه وانحرافه وجريمته، الموسيقى ترتفع كأنها تجسد لدقات القلب المتسارعة، هي تتماهى مع القلق الذي يحدثه انعكاس الضوء الأصفر على القمصان الزرقاء اللون، وكان بالمخرج يرمي إلى إقحام المتفرج في العرض ليجد نفسه هو الآخر يسائل الدنيا عما فعلته به.

فالسينوغرافيا في المسرحية تحاكي وجع الطفولة بالضوء والموسيقى وحركة الجسد يدخل المخرج إلى تفاصيل الشخصيات ويخرج ما تكتمه النفس من وجع ليطرحه على الركح ويدفع بالمتفرج ليكون هو الآخر جزءا من هذا الألم، ليصبح الضوء بمثابة الشخصية، فيعلو صوت ضحكة وسط لعبة الضوء حينها يعيدون القول « تضحك علينا، بعد ماجوعتينا وهمشتينا»، جمل تتراجع معها الأيدي المبسوطة لتنكمش الأجساد وتتساقط تدريجيا الواحد تلو الآخر.

«اخدم بلادك، واحلم»
تتغير الموسيقى، تتسارع الجساد المرمية على القاعة لتنهض وتصنع موسيقى كانها الولادة من جديد، تظهر فتاة تلبس الأبيض والأسود هي «الدنيا» جسدت على الركح (الأبيض والأسود يرمزان إلى كل الثنائيات التي يعيشها لانسان)، تبدأ في الرقص فللجسد لغته ومن خلال الجسد تكتب الدنيا رفضها لكل الاتهامات السابقة.

و كلما رقصت نهض الآخرون وشاركوها الرقص قبل أن تهدأ وتجيب «انتم السبب، انتم من استسهل البطالة والمخدرات، أنتم الذين أعجبتهم جلسة المقاهي فاختار الجهل عوض التعليم، انتم من استحسن فكرة السرقة فلم يتجرأ على صعوبة العمل»، اجابات تضع المشاهد في حيرة، كذلك الشخصيات التي تعيد التفكير والجلوس ليتساءلوا عن مدى صدق الدنيا، إجابات تحمل سوء الفعل للانسان وليس للقدر أو الدنيا أو الظروف، اجابات تؤكد ان مهما قست الظروف ومهما كان الزمان جائرا فالإنسان يختار فعله بكل وعي، إجابات ترفض الاستسهال وتدعو الى العمل «اخدموا على ارواحكم».

تتواصل احداث المسرحية الناقدة، عمل بمثابة المرآة التي يرى فيها الإنسان حقيقته، مرآة تعكس أفعاله أمامه فيعيد قراءتها وتفكيكها ليكتشف انه المذنب وهو الذي اختار الطريق الخاطئ وليست الدنيا صاحبة الاختيار، عمل يفكك النفسية البشرية ويعيد تركيبها في شكل أسئلة تقدّم لها إجابات داخل المسرحية ليقتنع بها الأطفال ويصرخون جميعهم « الدنيا ليست المخطئة نحن المخطئون، الدنيا لم تظلمنا نحن من نظلم أنفسنا».

تخرج شخصية «الدنيا»، تنهض الأجساد من على القاعة، تنزع القمصان الزرقاء لون الغموض ليعوضونها بأخرى بيضاء ناصعة كأنهم وجدوا إجابات لكل الأسئلة المحيرة، قبل ان تعود الشخصية لابسة العلم التونسي، فالدنيا تصبح الوطن وبقية الشخصيات تنهض من خمولها وكلّ يأخذ عمل ما فهذا يعزف واخر يزرع الأرض وثالث يقرأ كتابا ورابع يحوك قميصا، هي دعوة مباشرة إلى العمل واثبات الذات وتلك رسالة المسرحية التي تنتهي برسالة تقول « يا ناس حبوا بعضكم، اعطفوا على بعضكم، واخدموا على أرواحكم ولبلادكم».

جوائز مسرح الحرية
قدمت عروض نوادي المسرح بالسجون ضمن مسابقة شملت11عرض وكانت جوائز الأعمال المسرحية المتميزة لنوادي المسرح بالوحدات السجنية والإصلاحية في أيام قرطاج المسرحية الدورة كالتالي:
الجائزة الأول هي جائزة ايام قرطاج المسرحية مناصفة بين سجن الرجال بالمرناقية مسرحية الحديقة السرّية اخراج علي الماجري مع سجن النساء بصفاقس «الريح برّه» للمخرج علي بوكادي
الجائزة الثانية تقدمها المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب وآلت الى مسرحية حس جوجمة سجن برج الرومي رجال اخراج محمد امين الزواوي.
الجائزة الثالثة تقدمها إدارة السجون والإصلاح وكانت من نصيب مركز إصلاح الأطفال بالمروج لمسرحية الدنيا والزمان اخراج سالم الورغي.

هل ستعرض المسرحيات الفائزة مرة اخرى؟
تميزت أعمال نوادي المسرح في المؤسسات السجنية، أعمال قدمت بكل حرفية وجمعت كل تفاصيل العمل المسرحي المتكامل من سينوغرافيا وموسيقى وأداء ممثلين الى جرأة النصوص واختلافها، أعمال لاقت نجاح جماهيري، فهل يمكن تقديم الأعمال الفائزة وعرضها مرة أخرى في مسرح يكون مجهز تقني على غرار مدينة الثقافة؟ هل سيلتقي الممثلين المودعين مرة اخرى بالجمهور خارج اسوار السجن لإعادة عرض المسرحيات المتوجة؟ طلب وجهه الجمهور فهل ستستجيب الادارة العامة للسجون ووزارة الشؤون لثقافية؟.

هل يمكن إعادة تقديم العروض السجنية المتوجة؟
تميزت عروض نوادي المسرح في السجون في عروضها ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، عروض جد محترفة توفرت فيها تفاصيل الفرجة المسرحية، فهل يمكن أن تقدّم العروض المتوجة بالجوائز عروضا أخرى خارج أسوار السجن وفي مسرح تتوفر فيه كل مقومات النجاح التقني؟ على غرار مدينة الثقافة؟ فالعروض المتوجة تستحق المشاهدة و طلب إعادة عرضها مرة أخرى قدمه كلّ من تابع هذه العروض ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، فهل ستستجيب الإدارة العامة للسجون ووزارة الشؤون الثقافية لهذا الطلب؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115