مسرحية «الوجه الآخر للقمر» في فضاء التياترو ضمن أيام قرطاج المسرحية: المرأة فكر وكيان وليست مجرّد جسد

المرأة بين الحق والواجب، المرأة بين المقدس والمدنس، المرأة كيان أم جسد، المرأة شريك في الفعل أم شريك في الفراش؟

كيف ينظر المجتمع إلى المرأة وايّ وجع تتركه السلطة الذكورية في ثنايا الذاكرة؟ هكذا يتساءل عماد فجاج في «الوجه الآخر للقمر» لفرقة معمل التكوين والبحث الدرامي من أغادير.

و«الوجه الأخر للقمر» عن نص للكاتب المسرحي أحمد اسبياع وهي مسرحية مشاكسة وناقدة تعري المجتمع وتفضح نظرته إلى المرأة والجنس وهي من تجسيد الممثلتين سهام حراكة وفيروز عميري..

المسرح دفاع مستمر عن حقوق المرأة
موسيقى قوية، ضوء خافت في الزاوية ينقل حركات أرجل ترقص، الأرجل نسائية حسب الأحذية، تتسارع الموسيقى ومعها تتسارع الحركات لراقصة قبل أن يسلط الضوء تدريجيا على كامل الجسد، على الركح سيدتان، الديكور مكون من منضدة فوقها طربوش وأريكة نعرف أن الأحداث تدور في غرفة الجلوس في منزل ما، سيدتان تلتقيان، الأولى تلبس الأسود والثانية تلبس فستانا أزرق قصيرا، واحدة تسلم بحرارة والأخرى تسلّم ببرود وكلما ارتفع صوت الموسيقى ازداد القرب بين المرأتين.

عنوان المسرحية «الوجه الآخر للقمر» فالكل يرى أن القمر جميل فما الذي يخفيه جانبه الآخر؟ اهو السواد أم القبح أم كلاهما؟ وفي هذا السياق تكون الجولة لاكتشاف الوجه الأخر للمرأة والوجه الآخر للإنسان، فالمسرحية تجمع بين سيدتين تنتظران شخصا ما، الأولى كنزة «فيروز عميري» امرأة تجاوزت الأربعين خبرت الكثير من دروس الحياة، والثانية «بثينة» لم تتجاوز الخامسة والعشرين ولازالت تحلم بالحب والزواج، منذ البداية تبدو كنزة المسيطرة على الأحداث تعنّف الأخرى وتحادثها بكل قسوة، تحدثها عن رجل ما تنتظره، تتصاعد الأحداث وتلعب الخمرة في الرؤوس فتنقلب الأدوار إذ يسكت الوحش الذي يسكن كنزة لتبكي وتعود طفلة تتجرد من قسوة الحياة، في المقابل ينهض وحش العنف داخل بثينة وتبادلها القسوة وتبدأ في سرد وجع الطفولة وقسوة والدها.

تتواصل الحكاية ويكون الضوء رافدا للقصة وتصبح السينوغرافيا بمثابة الشخصية الثالثة الحاضرة الغائبة وهي الرجل، فكلما تمّ الحديث عن «سي مصطفى» وسلّط الضوء على الطربوش فالرجل في المسرحية غائب جسديا لكنه يحرّك الأحداث فهو سبب الجمع بين كنزة وبثينة، فبثينة زائرة المكان جاءت إلى العمل «تبيع جسدها» مع سي مصطفى المغرم بإعادة «شبق الليلة الأولى» بطريقة متجدّدة مع فتيات جديدات، وصاحبة المكان «كنزة» بعد البوح يتضح أنها حبيبته السابقة، أحبته إلى حدّ أنها تركت زوجها من أجله فتركها هو الآخر ثمّ أصبحت منسقة ليالي عشقه وشبقه ومهمتها إيجاد فتيات حسناوات يقضي معهنّ ليلة مقابل بعض الأموال.

الرجل الحاضر الغائب، العنف النفسي والجسدي جزء من حضوره وهو تركة خلفها في قلب المرأتين، تحين ساعة العمل ويتضح من كلمات بثينة التي صدعت راس صديقتها بحديثها عن حبيبها كريم الشهم الذي عجز عن الحصول على عمل حتى يتزوجها، انّ كريم هو المشرف على تشغيلها في الدعارة علها تأتي بثمن «الصداق» فالرجل في المسرحية يغيب جسده لكنه يحضر بكل عنفه النفسي والمعنوي، يحضر من خلال النظرة الذكورية للمرأة ومن خلال السلطة الابوية، الرجل في المسرحية ينتهك جسد المرأة وكيانها فقط لإشباع غرائزه وشهواته،ومن خلال العمل يقع نقد ظاهرة انتهاك الرجل لجسد المرأة والدفاع عنها فالوجه الآخر للقمر هو بؤس الرجل.

المرأة ليست مجرد جسد
ممثلتان اثنتان صنعتا الحبكة الدرامية لمسرحية «الوجه الآخر للقمر» مسرحية اعتمدت أساسا على تقنيات الممثل وخزينته من الإبداع لنقد العديد من القضايا التي تواجهها المرأة المغربية والعربية عموما، منذ العنوان يحمل العمل المتفرج إلى عوالم للسؤال للبحث عن الوجه الآخر للقمر ومع تقدم الأحداث تتساقط الأقنعة تدريجيا، تتحادث المرأتان تبوح كل واحدة بأسرارها لتسقط الأقنعة إلى حدّ أنك تجد نفسك أمام امرأتين كل منهما تلبس آلاف الأقنعة لتبدو بتلك الصلابة والقوة، فقسوة اليومي وسيطرة المجتمع تجعل الإنسان يلبس أقنعة لا يريدها.

في اطار الرمزية اختار كاتب النص أسماء الشخصيات، فالممثلة الضحية الخائفة اسمها «بثينة» ومعنى الاسم الأرض السهلة لتكون الشخصية فريسة سهلة لحبيبها كريم حتى يتاجر بجسدها بتعلة إيجاد مصاريف الزواج، أما «كنزة» فتعني السمو والرفعة وهو حال الشخصية فرغم حربها مع «حبّها» إلا أنها تغلبت على قلبها ومشاعرها وباتت مدبرة أعمال حبيبها السابق ومدبرة مواعيده، ليكون اسم «سي مصطفى» ذا دلالة على السيادة والعلوية من كلمة «سي» التي تسبق الاسم ومعناها السيد ومصطفى بمعنى الاصطفاء فأسماء الشخصيات ليست اعتباطا بل هي لبنة من لبنات العمل المسرحي الذي أبدعت فيه الممثلة فيروز عميري في تمقص تفاصيل الشخصية التي جمعت بين كل المتناقضات.

للترميز في المسرحية أكثر من قراءة وأكثر من رسالة، فالترميز يختصر الأجساد فحضور الطربوش يعوض حضور جسد شخصية الرجل، كما انه يختصر نظرة الرجل للمرأة بحضور قميص النوم الأحمر «الذي يحبه سي مصطفى ويريد ان يراهن تلبسنه جمعيا» وهنا تنقد المسرحية النظرة الدونية التي تلخص كيان المرأة ومشاعرها وفكرها في قميص نوم يثير الرغبة ويحفز على الجنس والشبق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115