مسرحية «بلا قيود» لعفاف الانداري مسرح الحرية لنادي المسرح بالسجن المدني بمرناق: نعم في السجن يولد المبدع أيضا

حطم قيود اليأس واحلم، حطم حواجز الخوف واطلق العنان لخيالك وارحل معه، حاول افراغ رأسك من كل الهواجس وافتح نوافذها

وأبوابها ودع الهواء الرطب يدخل الى تفاصيلها ثم أعدها إلى مكانها لتحتوي أحلامك من جديد فليست للانسان حياة دون الحلم وليست للحلم قيود.

وفي هذا الإطار تتواصل التجارب المسرحية التي تقدمها نوادي المسرح في المؤسسات السجنية، وتتواصل اللقاءات مع تجارب إخراجية مختلفة ورؤى فنية مغايرة، ولقاء مع إبداعات النزلاء الذين زادهم الفن تعلقا بالامل والحلم وكان اللقاء يوم الثلاثاء مع مسرحية «بلا قيود» من إنتاج نادي المسرح بسجن مرناق واخراج المستشار الاول عفاف الانداري ومن أداء خالد ورامي وسامي وعاطف واضاءة ضابط اول محمد الطيب الحاجي وموسيقى مستشار عبد الوهاب عطياوي والاشراف العام لمدير سجن مرناق العقيد منير الجويني.
ليست للحلم قيود

الموسيقى تحمل المتفرج إلى عوالم الخيال، الفيديو يعكس صورا عن الربيع بألوانه المدهشة وأزهاره المتفتحة للحياة وضحكة الاطفال المقبلة على اللعب، وسط هذا الجوّ يخرج الممثل ليخاطب الجمهور ويقول «كوني سجين هذا لا يعني انني مقيد، كوني سجين لا يعني أنني اميّ، كوني سجين لا يعني انني اكره الحياة، كوني سجين لا يعني أنني مجرم، لكن من المؤكد أنني مذنب وأنا اعترف، لكن السجن لا يمنعني من أن أعيش حلمي، وأبدع فانا سجين الجسد لكن روحي طليقة وإحساسي حرّ ومن أراد الاكتشاف فمرحبا به في متاهة خيالي».

المتاهة كانت ممتعة حقا، متاهة جمعت بين النقد والسخرية بالحلم، فجاءت المسرحية في شكل مشاهد وحكايات متفرقة، الحكاية الاولى هي الخيانة، على الركح ثلاثة شخصيات وموسيقى الطبلة تملأ المكان، في هذا المشهد تميز الممثل الذي ادى دور الراقصة بحركاته المتناسقة والمتناغمة واتقن الشخصية وتفاصيلها وترك للجسد الحرية

في التعبير عن الم الخيانة ووجعها، خيانة ربما تكون سببا في الاجرام والدخول الى السجن، الخيانة هنا ليست بمفهومها الضيق اي خيانة المرأة للرجل او العكس بل الخيانة في المطلق، خيانة الواجب وخيانة الوطن وخيانة الحياة والحلم.

تتغير الموسيقى وعوض الموسيقى التقليدية التونسية ترتفع نغمات الطبل الافريقي، اصوات لضربات الأقدام تأتي من بعيد تتماهى مع حركات الممثلين، على الركح شخصان أبيض وأسود، يتحركان بكل براعة بجسديهما ويتجولان في ربوع لغات العالم، يتباعدان يتصارعان، ثم يعود الهدوء والنقاش فالصراع من جديد قبل حمل مرآة مشوهة يرى المتفرج نفسه داخلها معوجا المرأة هي صورة للمجتمع غير العادل وصورة لحاملي أفكار ترفض الآخر ولا تقبل بوجوده وحين تقلب المرآة تكون خلفها رسالة «لا للعنصرية» حينها يتعانق ابيض واسود ويرقصان ويلتحمان إلى حدّ الوحدة فمهما اختلف اللون يظل الانسان في النهاية إنسانا.

تتواصل الرحلة المسرحية في متاهة خيال السجين، تتواصل الجولة في عالم الأحلام الذي ينعكس أحيانا على الشاشة بتقنية الفيديو، المشهد الثالث موجع وصادق مشهد كانّ جسد الممثل فيه يقول لو كان الفقر بشرا لقتلته، لو كان الفقر رجلا لمزقته لو كان الظلم بشرا لمحوته من الوجود لو كان الضيم بشرا لنزعنا قلبه وعوضناه بالموسيقى، في هذا المشهد ينقل المثل شخصية مهاجر غير شرعي هناك خلف البحر ومعاناته الظلم والمهانة التي يعيشها للبقاء على قيد الحياة، مشهد صامت فقط جسد الممثل يتحرك ويحكي بلغة واضحة وينقد ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حركات دقيقة تنقل مشاعر الخوف والشعور بالضيم، يبدع الممثل في تقمص شخصية الجائع المتعب الذي أنهكه الجوع وأثقله الخوف بحركاته ينزع عنه وجهه ويحاول نزع القلب من مكانه، حركات جد دقيقة كأنه رسام يحرك ريشته بحرفية.

في «بلا قيود» استغنت المخرجة عن النص وتركت الحرية لأجساد الممثلين ليكتبوا نص المسرحية بلغة يفهمها المتفرج أيا كانت جنسيته أو لغته أو هويته، دون ديكور حملت الجمهور إلى عوالم الحلم واعتمدت على تقنيات الممثل في حبكة نص درامي مميز ومختلف لتكون المسرحية رؤية إخراجية أخرى ومشهدية مغايرة في تجربة مسرح السجون.

الفن لا يسجن
الفن لا يسجن، الفن لا يقتل، والفنان لا يموت، الفن هو الحلم هكذا نجده في مسرحية «بلا قيود»، فالحلم يتجلى على الركح من خلال الرقص في المشهدين الاخيرين للمسرحية، مشهد يجتمع فيه الممثلون ليقدموا رقصة مبهرة خلفها تعرض الألوان وموسيقى كأنها شدو الربيع، حركاتهم متناسقة وجد مدروسة، انسجام تام بين الممثلين الراقصين، فالجسد كان وسيلتهم للتعبير، حركات الجسد تناسقت مع الضوء لكتابة فرجة مختلفة انطلقن من حلم انجاز عرض مسرحي إلى تقديمه أمام الجمهور في أيام قرطاج المسرحية.

أما المشهد الأخير فيعود فيه الممثل الأول الذي طلب من الجمهور مصاحبته الى متاهة خياله إلى الركح ويرقص رقصة جماعية مع الممثلين فتكون رقصة ثلاثية تتحد فيها الأجساد والأحلام، رقصة التحرر والانعتاق من كل الجدران، رقصة ترحل فيها الروح بعيدا لتحادث الأصدقاء وتتجول في خبايا الذاكرة والأماكن المحببة، رقصة كأنها لحظة انفصال الروح عن الجسد لتتجول في عوالم الخيال مع موسيقى جدّ ممتعة دفعت الجمهور ليشارك الممثلين النشوة الفنية.

• عرض «بلا قيود» سجني بأكمله فالممثلون من المودعين والمخرجة أستاذة مسرح برتبة مستشار أول في المؤسسة السجنية.
• بعد ملاحظة «لمَ لا يكون هناك نقاش بعد العروض» يبدو أن الادارة العامة للسجون استجابت للملاحظة واصبح هناك نقاش بعد العروض المسرحية للمودعين.
• الجميل في عرض «بلا قيود» انّ شهائد التكريم للمثلين قدمتها عائلات المودعين، وكم هي مبهرة ومميزة الصورة حين تكرم الام ابنها والرضيعة والدها والشقيقة شقيقها بعد عرض مسرحي ممتع، تكريم كان اصدق اللحظات فيه ذلك العناق الموجع بين المودع وعائلته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115