مسرحية «طروف» لغازي الزغباني وكريس وايت في فضاء «لرتيستو»: المسرح صوت الحق والحقيقة

المسرح حي لا يموت المسرح هو وسيلة دائمة للتذكير بالحقوق ومراجعة أخطاء الماضي، المسرح وسيلة للمقاومة ولتوجيه الشعوب

إلى القضايا الحساسة والقضايا الإنسانية والحق في الأرض. وحق الشعب الفلسطيني في أرضه من أكثر القضايا التي تهم المواطن التونسي والإنساني ومن هذه القضية انطلقت مسرحية «طروف» إخراج غازي الزغباني وكريس وايت.

«طروف» مسرحية من تمثيل كلّ من محمد حسين قريع وأمينة الدشراوي وناجي القنواتي وليلى علج ومامون الشيخ وشاكرة رماح وهي الانتاج الأول لمركز الفنون الركحية والدرامية بنابل بالشراكة مع فضاء لرتيستو والمركز الثقافي البريطاني في تونس.

المسرح مسارح والمسرحية شيفرات متعددة
رحلة في الذاكرة، رحلة تحمل المتفرج من الحاضر الى العام 1948 ليعايش وجع الانسان الفلسطيني الذي هجّر وشتت بسبب الاحتلال، الى تلك السنوات يعود نص مسرحية «طروف» التي قدمت في فضاء لرتيستو بالعاصمة، بعد العرض الاول في نابل كان اللقاء مع عرض ثان في لرتيستو، تغيّر الفضاء فتغيرت معه مقومات الفرجة، قاعة لرتيستو جد صغيرة مقارنة بركح المركب الثقافي نيابوليس نابل، فصنع المخرج من الفضاء الضيق فضاء اوسع واستعمل كامل القاعة لتكون الفرجة متكاملة ويبدع الممثلون في أدائهم على الركح.

في طروف المكان أمكنة، فهو مرة الحاجز بين الضفة وغزة، ومرات منزل فنانة موسيقية وهو منزل تاريخي لاحد الفلسطينيين، ومرة يتحول الى منزل اسرة فلسطينية مهجرة، ليعود إلى تونس ويكون صف الديوانة في الشوشة ومرة منزل عائلة فلسطينية تتباحث حول هجرة ابنها ليصبح الأردن والدول المجاورة الموطن وأحيانا يكون الفضاء سيارة التاكسي، ومرة منتزها تتمتع فيه النسوة بجمال الطبيعة، فالمكان المتغير هو دلالة على تغير الأحداث التي تتراوح بين قصص المواطن الفلسطيني والمواطن التونسي، المكان يتغير من خلال تغير حركات الشخصيات والضوء وتقنيات السينوغرافيا فلا وجود للديكور في المسرحية وحدها أفكار الممثلين وتحركات الشخصيات والملابس التي تلبس حسب الدور تحيل المتفرج إلى المكان والحدث.

فالمسرح عند غازي الزغباني رؤية جديدة للفرجة ورؤية مختلفة للوسائل المسرحية التقليدية، مسرح متجدد ومتطوّر يحملك إلى العديد من الأمكنة باستعمال الضوء وتقنيات السينوغرافيا فقط مجموعة من الصناديق الحمراء اللون تكون ديكور متغير ومتحوّل مع استعمال اللون الأحمر

الغاية منه تحفيز انتباه المتفرج وشده للأحداث والحكاية، هو لون الدم أيضا وفي العمل أكثر من إشارة إلى الحرب والقتل والدماء التي بذلت لاسترجاع الأرض، ففي طروف تحضر الرموز والشيفرات على الرّكح لتدخل إلى ذاكرة المتفرج وتبحث داخلها عن معنى الأرض والهوية والانسان.

المسرح تنبؤ بالمستقبل
المسرحي سابق لعصره، المسرحي والفنان يعرف جيدا قراءة التاريخ والحاضر وتحليلهما لتقديم رؤيته للمستقبل، رؤية فنية عادة ما تكون صحيحة فكم من عمل إبداعي كتب في الماضي وهو يصف ما نعيشه اليوم ونعايشه، وفي «طروف» تنقد المسرحية مسألة غلاء الأسعار والاحتجاجات الكثيرة التي ستعيشها الساحة التونسية بسبب هذا الغلاء من خلال مشاهد كاريكاتورية تضحك المتفرج لكنها تدفعه للخوف وتبعث فيه السؤال عن «كيف سيكون غدي اما هذا الارتفاع المشط للاسعار».

على الركح يجسدون صفا طويلا ينتظر الحليب، دقائق الانتظار يشعرك الممثلين انها ساعات من خلال اشارات القلق المرسوم على الوجوه والموسيقى التي تصنعها الاجساد والاقدام، فهذا صف للحليب واخر للمحروقات، تجسيد الصف وكان مبالغ فيه لكنه ينقل جزءا من الواقع التونسي فكلما نقص الحليب من السوق وجدنا صفوفا طويلة وطوابير تبحث في كل الفضاءات، وكلما انتشر خبر «اضراب المحروقات» الا وتراصت الصفوف للحصول على البنزين، مشاهد سريالية يعيشها التونسي نقلت على الركح في شكل كوميدي لكنه موجع.

إلى السوق الاقتصادية و غلاء الأسعار وعدم قدرة المواطن عن اقتناء حاجياته الاساسية وتغوّل أصحاب الدكاكين والتجار أمام ضعف المقدرة الشرائية للمواطن رحلت طروف غازي الزغباني حدّ أن أصبح «البصل» لوحده يتطلب خزينة من الاموال لاقتنائه فكيف بالحليب، فالمسرحية تنذر التونسي وتحذره من الصدمة، تدعوه لينقد ويتحجّ بدل الصمت، تدعوه للاحتجاج في الشارع عوض الاكتفاء بتدوينات الفايسبوك مسرحية ناقدة لاذعة تسلط الضوء على القضايا التي تمس الانسان تونسيا كان ام فلسطينيا أو أي إنسان على البسيطة.

أبدع القنواتي:
ممثل متغير، شخصيات مختلفة ومتناقضة في عمل واحد، شخصيات مركبة لكل منها مميزات وانفعالات نفسية وفكرية وطريقة تعبير تقمصها جيدا الممثل المتغير ناجي القنواتي من شخصية الرجل الكبير الى الطفل الصغير، جميعها اوصلها الى المتفرج فسرق منه الضحكة ودفعه الى السؤال، الممثل ناجي القنواتي ابدع في عروض مسرحية «طروف» وكان من نقاط قوة العمل.

شاكرة رماح: الجميلة والمتالقة
ممثلة محبوبة، بسيطة ولطيفة، تبدو جد هادئة خارج على الركح، لكنها تتحول لتصبح اكثر شراسة وقوة وجرأة على الركح، في طروف مثل بقية الشخصيات تقمصت اكثر من شخصية ومرت بمراحل تطور الشخصية حسب الحدث، فأتقنت التمثيل وكانت كنجمة تتلألأ ابداعا وتميزا.

غازي الزغباني:
المسرح فكرة مقاومة
ممثل مميز ومخرج جد ذكي، فنان له رؤية مختلفة للمسرح منذ «وزن الريشة» إلى «بلاتو» و«عقاب احد» و«الهربة» و«سيكاتريس» فـ«طروف»، مجموعة من الأعمال التي تتناول قضايا تنطلق من الانسان التونسي الى العالمي، مخرج يقبل على مدرسة التجيديد في الصورة المسرحية وجماليات اداء الممثل، غازي الزغباني تجربة مسرحية تتطور تدريجيا لتؤكد ان المسرحي التونسي مختلف له القدرة على منافسة مسرحيي العالم وله رؤية تقدمية في الاخراج والتنجديد في الحركة الفرجوية والمسرحية فنان يؤمن انّ المسرح تمرد والمسرح تعبيرة مختلفة عن الوطن، محب لبلده وشهاره «الي يحب تونس يهديلها الخدمة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115