فيلم «الذاكرة السوداء» لهشام بن عمار: «الحبس كذاب والحي يروح»

الكاميرا تدغدغ الذاكرة تشجعها على البوح تسرق منها القليل من الحكايات لتحمل المتفرج الى عوالم المتحدث بالكاميرا يعايش هشام عمار سنوات السجن وسنوات التعذيب،

بالكاميرا ينقل وجع الحالمين ويكشف عن جبروت النظام وقسوة البوليس ليقدم فيلما وثائقيا عبارة عن وثيقة للتاريخ وثيقة تقدم القليل من نضالات تونسيين دفعوا سنوات الشباب لافتكاك الحرية و فالحرية الحمراء بكل يد مضرجة تدق كما يقول شوقي وهم دفعوا أعمارهم ثمنا للحرية.

«الذاكرة السوداء» الفيلم الذي عرض للمرة الأولى في 2014 فيلم يجمع شهادات ضد النسيان عمن سجنوا وعذبوا من أجل أفكارهم الحالمة التي اعتنقوها منذ الشباب، فيلم جمع شهادات الهاشمي الطرودي وعز الدين الحزقي وسيمون بن عثمان وفتحي بلحاج يحى، شهادات عن السجن والتعذيب وعن علاقة المحكوم بالجلاد.

الحرية تستحق الفداء
الحرية أمر باهض الثمن، الحرية كلفتهم أجمل سنوات العمر، الحرية افتكوها بالدماء والانهاك تحت سطوة الجلاد، الحرية لم تهد لهم وإنما قدموا الجسد والروح والعائلة والفكرة ثمنا لها، مع الكاميرا نعايش وجعهم، نلامس أحلامهم ومرات نتاوه كاننا نحن من يتعرض للتعذيب وتلك قدرة الوثائقي على مس المتفرج وإقحامه في أحداث الفيلم ليعايش وجع الأشخاص الذين ينقل المهم.

في القاعة حضر فتحي بلحاج يحى وعز الدين الحزقي وغاب جسد الهاشمي الطرودي لتحضر روحه المتمسكة بالحلم والدعاية المستمرة للشباب ليبدعوا ليحلموا وليصنعوا حريتهم بمفردهم.

الانطلاقة كانت برسالة خطية بيد احمد بن عثمان وجهها إلى حبيبته سيمون، حدثها عن وجع السجن ووصف ظلمة الزنزانة الانفرادية وبؤس الجلادين، ثم رسالة أخرى بالعربية بخط الهاشمي الطرودي إلى حبيبته حورية بن جنات شاطرها الحب والأمل بالخروج من السجن ويحدثها بوله العاشق عن الحرية وإرادة الحياة، في الفيلم رحلة نفسية إلى خفايا من سجنهم النظام البورقيبي لأنهم طالبوا بالحرية والمساواة، رحلة الى تفاصيلهم، معهم يتقاسم المتفرج ساعات الوجع من خلال وصف السجن وقسوة التعذيب ويتقاسم معهم لحظات السعادة من خلال زيارة الأهل او وصول رسالة من الحبيبة والرفاق، فيلم يرشح وجعا ينقل شهادات ضد النسيان شهادات عن السجون البورقيبية التي اكلت سنوات عمر الشباب الطلّابي الذي نادى بحقه في العيش الكريم والحرية في وطنه.

«الذاكرة السوداء» هو اسم الفيلم، ذاكرة القمع والخوف، ذاكرة الديكتاتورية والظلم، ذاكرة جبروت السجان امام ضعف حيل السجين، ذاكرة القمع التي تجاوزت ذكراها الخامسة والاربعين لكن ظلال التعذيب وآثاره النفسية لازالت تلامس ارواح المعذبين، ذاكرة الامل الذي سيورق وسط السجن، الذاكرة السوداء هي ذاكرة آلة بوليسية عنيفة تطبق الاوامر وتنفذ الاعتقالات دون رحمة ودون انسانية.

تغير النظام ولازالت الحرية مطلبنا أساسيا
خمسة اعوام مرت على العرض الاول لفيلم «الذاكرة السوداء» حينها تحدث جميعهم عن مسامحة الجلاد إذا اعتذر، إليهم ناضلوا لاجل الحرية والحق في الحياة ولا يريدون الدخول في دائرة العنف او القصاص، سرق النظام سنوات شبابهم فقابلوه بكثير من الدراسة والعمل لاجل تونس، سرق النظام ضحكاتهم وأحلامهم الأولى فأعادوا كتابة تاريخهم وأعادوا تشكيل أحلامهم من جديد متمسكين بقبس الأمل والجمال ومطلب الحرية المستمر.

الشيخ الهاشمي الطرودي في الفيلم أكد انه سامح جلاده وفي كل كتاباته نادى الشباب ليحلموا ليتمسكوا بحقهم في الحياة وان لا يفرطوا في حرياتهم مهما كان الثمن، روحه الحاضرة وان غاب جسده هي الأخرى تدعو إلى الانعتاق والبحث عن سبل جديدة للحلم.

اما الاحياء ممن حضروا عرض الفيلم فأشاروا إلى مسامحتهم للجلاد لكن الحزقي بدا متأثرا بعد هدم حبس برج الرومي في الفيلم نراه يمشي الهوينا يستحضر ذاكرة المكان ويعرف عدد خطواته شبرا شبرا، يحمل المشاهد الى السجن فترة الستينات ويلامس جدرانه المبنية في ذاكرته يستحضر الوجع ورقم الزنزانة «ّ18» تلك التي نفث داخلها الكثير من الفرح والترح، في النقاش تحدث الحزقي عن الخروج يوم 14جانفي 2011امام الداخلية وكيفية اقتحام سراديبها «حينها شعرت ان كل الجراح اندملت ونسيت سنوات السجن والوجع» فتحررت ابنته وحفيدته وكل شباب تونس الذي خرج وقال «ديقاج» للنظام كان بلسما لمداواة جراح الحزقي الذي وثق الوجع في كتابه «نظرات امي».

من قاعة السينما الى ذاكرة المساجين، من الحاضر الى الماضي ملامسة للحلم الذي تبناه مجموعة من الشباب، ملامسة للوجع لقسوة الجلاد وجبروت النظام، وثيقة تاريخية تؤكد تعرض العديد من الشباب للتعذيب بسبب انتماءاتهم لسياسية ودفاعهم عن حقهم المشروع في التعددية الحزبية والسياسية، دفاع عن الحرية، ربما تغيرت الانظمة اليوم لكن المطالبة بالحق في الحرية لا تتغير وتظل مبدأ أساسيا في الحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115