الأسبوع الثقافي الأول للوقاية من التعذيب: الإيداع لا يحدّ من تلوينات الإبداع

أبدع فانت إنسان، خاطب الحلم في داخلك وحوله إلى لوحة فنية دع الريشة تخاطب روحك وتنير الدروب المظلمة،

غنّ ومارس الموسيقى واصرخ بكل الشجن فانت انسان وحقوقك محفوظة، لا تخش الحرية ومارسها من خلال الفن، لك ان تعبّر وأن تكتب وترسم وتحول قطع الخشب والحديد الى اعمال فنية تبهر من يراها، عاند جدران السجن فالجدران ليست عائقا للحرية، الجدران لا تحد من ملكة الخيال والإبداع.

خلف تلك الجدران تكتب قصص كثيرة في صيغ ابداعية مختلفة، وتلوينات فنية ثرية ومتنوعة فتلك الجدران الصماء تبعث في الحالم القدرة على الرسم والغناء وممارسة المسرح لتفتيت تلك الجدران ومعانقة الحرية -وان كان افتراضيا وانتصارا للانسان- لتحتضن مدينة الثقافة الأسبوع الثقافي الاول للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللإنسانية او المهينة والذي تنظمه الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب، لقاء جمع كل التلوينات الفنية التي قدمها المساجين.

الفن التشكيلي: الإيداع لا يقتل الابداع
هي الريشة تكتب أجمل التلوينات، تحملك بعيدا جدا فتفتش في دواخل من رسمها، في ركن خفي من الذاكرة ربما ستجد كل الألوان، ستسمع ضحكاته وقهقهاته وربما تعانق شوقه لامرأة احبها، لحبيبة عايشها أجمل لحظات الحب وشرب من ماء العشق إلى حدّ الثمالة، في ذلك الركن المنزوي تنفتح عين الإنسان لتنقل بالألوان ماتختزنه الذاكرة، ربما ستصحو كل الأركان المظلمة لتضيء دربه وتنير الورقة البيضاء التي تحولت إلى كتلة لونية وخطية تنقل أفكاره ومواقفه وإبداعاته، هكذا يمكن الحديث عن شجن السجين الذي ابهر جمهور المعرض بلوحات تحاكي براعة الفنانين التشكيليين المحترفين.

الألوان المبهرة تنسيك عتمة المكان وتنسي السجين ظلمة الجدران، أعمال تشكيلية مختلفة من إبداعات السجين (م.د)، معرض نقل من خلاله هواجسه وأفكاره حول الحب والمرأة فاغلب اللوحات رسومات لنساء، اختلفت ملابسهن، وزينتهنّ واشتركن في كونهن جميلات كما أبدعت ريشة الرسام السجين.

فواحدة تتحلى بالحلي التقليدي التونسي مع التركيز على تفاصيل الوجه والعينين الحوراوين، وأخرى لعاشقة تلبس فستانا احمر وتحمل مظلتها بين أشجار مع صفرة وقليل من البني كأنها تحاكي فصل الخريف وثالثة لوجه مقسم تعلوه الكثير من المربعات والدوائر والخطوط كأنه تعبيرة عن الوجع والخوف مع استعمال الالوان الحارة التي تحيل عادة على اضطراب المشاعر ولوحة خامسة لامراة تقف في باب اخذ شكل تاتيت رمز قرطاج ورمز المرأة والحب وعموما، امرأة تنظر الى الامام وسط هالة من البياض، لوحات اجتمعت حول الحب واستعمال الألوان الزاهية التي تبعث في النفس الشعور بالراحة ، لوحات ذات جماليات مختلفة حولت عتمة السجن وسمك جدرانه إلى تعبيرة فنية تمتع الناظر والزائر ليخرج بالقول «واو محلاها خدمتو، فنان، فنان لم يمنعه الايداع من الابداع».

الحرفة عنوان للتميز
تشكيلات فنية مختلفة، تلوينات إبداعية متباينة، جمعت كل الفنون تقريبا في معرض مفتوح في البهو السفلي لمدينة الثقافة، بالإضافة إلى الفن التشكيلي هناك معرض آخر للحرف، منسوجات ومصنوعات حرفية تقليدية تونسية أبدعت أيادي السجناء في تشكيلها، حرف تونسية الروح والانجاز تعرف بالموروث وتقدمه للزوار، الفضة تشد انتباه الزائر منذ المدخل، مجسمات صغيرة لاشياء صنعت من الفضة، من إبداعات مساجين سجن المرناقية، الى جانبها مجموعة من الحقائب اليدوية المصنوعة من الجلد من انتاج ورشة الجلد بسجن المرناقية ، بعض حاملات الأوراق يدوية الصنع من ابداع مساجين صواف، لمودعي سجن المهدية فن اخر هو زراعة الورد في القاعة باقة كبيرة جمعت الورود بمختلف الوانها، باقة من الحب تنقل حرص المودعين على ترتيبها جيدا لتكون بذلك البهاء.

المنتوجات الحرفية مختلفة، لكل سجن خصوصيات حسب المنطقة التي يوجد فيها، تقطير الزهر والعطرشية، والبراعة في صناعة الحلويات التقليدية كذلك التميز في تقديم المنتجات الغذائية المستخرجة من الطبيعة، جميعها حرف يمارسها المودعون في المؤسسات السجنية ضمن نواد يتمتعون فيها بحرية ليبدعوا، نواد تخاطب إنسانية المودع وعقله فلئن سلبت منه الحرية بحكم قضائي فان إنسانيته محفوظة ومن حقه التمتع بحرفة أو ممارسة أي فنّ يريده صلب مؤسسته السجنية.

أدب السجون: الكلمات تعبيرة عن الحرية
في العتمة تولد آلاف الأفكار، خلف الجدان تكتب القصص وتحاك العبارات الجميلة لتنقل وجع السجين، خلف الجدران الصماء تكتب كلمات تعبر عن أحلام أصحابها وتنقل أفكارهم وتصف لوعتهم وقساوة ما عايشوه في السجون، فأدب السجون جزء من ذاكرة السجين، وأدب السجون تعبيرة عن الرغبة في التحرر والشعور ربما انه حقّا حرّ طليق له الحق في الكتابة وقتما يشاء، هو أدب السجون الموجع الذي يكشف عن قسوة الجلاد وإرادة المجلود التي تعجز المنظومة عن تفتيتها ويقف السجان عاجزا عن كسر الرغبة في الحلم والتمسك بالحق في الحياة إلى النهاية .

وفي المعرض تقديم لمجموعة من المنشورات المصنفة تحت خانة أدب السجون، كتابات لأشخاص خاضوا تجربة السجن والاعتقال وعرفوا معنى فقدان الحرية في المعرض هناك كتب «الليالي السود» وتحت الرماد لعبد الجبار المدوري، و «دراقة» لبشير الخليفي و «ما بعد الطوفان» و»في القلب جمرة» و«سنوات العذاب» و«الشفق الاسود» لحميد عبايدية، و»نظرات امي» لعز الدين الحزقي ومنشورات اخرى ولدت من الوجع كتبت بحبر من دماء القلب ومن نبض الحرية، ابداعات وكتابات هي عنوان لتدفق دماء الحرية في شريان السجين فيحوّل كتلة الوجع الى هالة من الابداع تكون وثيقة تاريخية وتكون صوته وصوت كل سجين خاض تجربة السجن بسبب نضاله السياسي لافتكاك الحرية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115