مسرحية «هوامش» لحسام الزريبي في مدينة الثقافة: من الهامش نطالب بحقوقنا في الفن والحياة

يا باحثا عن الحقائق المخفية ابحث في الهامش فهناك كل الحقائق والأسرار، يا سائلا عن الوجع حدّث المهمّشين واسمع منهم ستجد تفاصيل

الوجع الابدي الذي رسخته السنون، يا سائلا عن الامل هناك في الهامش من يحولون أملهم إلى المسرح والمسرح وسيلتهم للأمل وهو مطيتهم ليصرخوا ضد التهميش والظلم ويصنعوا من وجعهم املا ينثرونه ليخبروا الجميع أننا هنا نولد أحرارا نعمل ونحلم وبالمسرح ونكتب احلامنا المجهضة ونبعث فيها الحياة.

الحياة هنا جاءت في شكل عمل مسرحي مشاكس، شرس وناقد كتبه علي عامر وأخرجه حسام الزريبي سمّي «هوامش» من تمثيل كل من تمثيل عبير لعبيدي ونورة صالحي وانيس عكرمي ورياض عمري وبدر لعبيدي في اطار مختبر التكوين المسرحي بمدينة الرقاب وتمّ العرض في بطحاء المسارح بمناسبة حضور سيدي بوزيد في تظاهرة يوم الجهات.

المسرح مطية للحياة والشغف
في مدينة ما، مدينة منسية بعيدة جدا عن المركز تدور احداث القصة التي كتبها علي عامر وقدمها ثلة من عشاق الخشبة من ابناء مختبر التكوين المسرحي بالرقاب، في مدينة مهمشة ولدت مسرحية تتحدث عن شخصيات تعيش في مكان مهمّش، من الهامش ولدت شخصيات مهمشة قدمها اشخاص مولعون تسكنهم ارادة قوية للحياة للحب وللمسرح.

في ساحة المسارح، اصبحت البطحاء بأكملها ركح للعرض المسرحي، في المنتصف وضعت مجموعة من القطع الخشبية في أعلاها «راس حمار» ملون بالأبيض والأحمر مع القليل من السواد كأنه عنوان لهيكل ما او فضاء للاجتماع، ديكور المسرحية مجموعة من البراميل والقطع الخشبية «المادري» المستعمل في «المرمّة»، صوت يأتي من فراغ يتحدّث عن مدينة منسيبة، عن العطش، عن منابع الماء التي ارتحل اليها سكان المدينة طلبا للخصب والحياة، فـ«هوامش» مسرحية تنطق من وجع الواقع، تبوح بأسرار الموجود، نتقد التهميش وتنتصر للمهمشين.

«هوامش» فعل مسرحي مقاوم، هي قصّة خمس شخصيات عايشت فاجعة حدثت لبلادها وتتمثل الفاجعة في زلزال انقلبت معه الكثير من المعطيات، حكاية نجد فيها خمس شخصيات هي سراب ونور وبورتلاق و الناجي والصافي، شخصيات تبحث طيلة العرض ومعها المشاهد عن طريقة للنفاذ والهروب من هول الكارثة، فكلهم ينشغلون بذواتهم إلى حدّ نسيان الهاجس الجماعي وهو العطش.

تتصاعد الأحداث فنجد الشخصيات في حالة العطش في صراع أزلي، الكل كان مسؤولا عن حجم الكارثة وما خلفته من دمار فـ«هوامش» شعرية مرئية قوامها جسد الممثل وعلاقته بالمتفرج، وكثير من الافكار المتشابكة والمتوالدة، أفكار عنيفة حينا، هي رغبة المخرج لتكون الصورة عنيفة كما الاحلام التي تسكن الممثلين الشباب الذين جاؤوا الى مدينة الثقافة محملين بأحلام الهامش وعنفوان شباب يؤمن بأن المسرح قادر على التغيير.

المسرح صوت الهامش والمهمشين
خمس شخصيات، تتصارع، تتلاقى، يجمعها البؤس، وتفرقها الفكرة، يحبون «سراب» الجميلة ويختلفون في طريقة التعبير عن هذا الحب، سراب «المرأة الكادحة والصابرة والصادقة» هي انموذج عن الوطن، ترمز الى المرأة العاملة، فسراب وحدها معشوقة الجميع تماما كالأرض والوطن، لكن الشخصيات يحملها الاختلاف والصراع إلى حدّ ان تموت سراب وفي موتها كناية عن موت الانتماء عند البعض وموت وازع الدفاع عن الوطن ، موت شخصية سراب موت رمزي يشير الى اننا جميعا موتى مادمنا نشاهد ما يحدث لأوطاننا ونصمت دون محاولة للحراك.

لساعة من الزمن كانت الحرية للمثلين ليتحركوا في كامل الفضاء، يزرعون حب المسرح في كل تلك المساحة، عايشوا اجزاء المسرحية ومعها تفاصيل المكان الذي زادهم طاقة وعفوية، فـ»هوامش» عرض مسرحي انطلق بزلزال وانتهي بانتحار الناجي بن ابراهيم الناجي الوحيد من الزلزال، و «الناجي» تعبيرة عنهم، عن احلامهم المجهضة في التشغيل والحصول على الحقوق الاجتماعية والتمتع بالعيش الكريم،.

«الناجي» هو انموذج عن احلام شباب مدن الداخل وآمالهم المحكوم عليها بالإعدام تدريجيا، والرؤية الاخراجية كانت مبنية على التساؤل في كل ما مضى وما سيأتي عن معانينا إنطلاقا من ذواتنا ، عن معنى الحياة نفسها وفي بطحاء المسارح طرحت اجساد الممثلين وحركاتهم وجملهم الرمزية كل هذه القضايا، صحبوا المتفرج الى عوالمهم الانفعالية، الى تفاصيل الشخصيات التي سكنها الوجع والعنف والخوف مع قليل من الحلم، لساعة من الزمن رحل الكل الى الهناك الى الهامش انصتوا الى وجعهم واستمعوا الى اسرارهم وشاركوهم كتابة الحلم الذي كان المسرح صوته وصداه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115