مسرحية «الأرامل» لوفاء الطبوبي في قاعة الريو: دعوا لنا الأرض سنزرعها سلاما ...

هنّ الحياة، هنّ الأرض والولادة والسعادة هنّ المقاومة والتمرد لصناعة الأمل، هنّ قبس الجمال لإنارة ظلمات الألم.. ومسح جراح الحرب،

هنّ النساء اللواتي يبعثن الحياة وينجبن السعادة وعلى الخشبة يصبح أجمل ويكنّ كما الدرر النادرة، متميزات ومختلفات وبارادتهنّ يصنعن الإبداع ويحولن الخشبة إلى فضاء كبير لمعانقة تلابيب الحياة.

هنّ «الأرامل» اللواتي أمتعن جمهور قاعة الريو في عمل مميز عمل يقدم تضحيات المرأة على الرّكح ويجسد قدرتها على إعادة التعمير بعد الخراب، والأرامل مسرحية للمخرجة وفاء الطبوبي وتمثيل كل من نادرة التومي وفاتن الشوايبي ونادرة ساسي وتوظيب موسيقي لصالح الشرقي وتوظيب عام لسلمى الاجنف.

«الأرامل» صراع الأنا والآخر لأجل الأرض
جميعنا أرامل، كلنا متورطون في المسرحية، جميعنا أرامل ذكورا كنّا أو إناثا، فالأرملة هنا ليست المرأة التي فقدت زوجها إنما الإنسان الذي فقد انسانيته والمواطن الذي تنازل عن وطنيته والشخص الذي تجاهل واجباته وخنع ونسي أن عليه أن يصرخ عاليا ليحيا ويعمل لأجل نفسه ووطنه.

«الارامل» مسرحية للمخرجة الطبوبي أساسها ثلاث ممثلات، هنّ دون اسماء ليكون المعنى في المطلق فهنّ الانا والانتِ والهنّ والانت ربّما لانّ الأرامل لهن صفة انسانية جد عميقة تتجاوز حدود الانثى والذكر.

موسيقى صاخبة، صوت أمواج البحر يرتفع إلى حد أن تشعر فيه أنك تواجه البحر حقيقة، استعمال البحر هنا ليس من باب الاعتباط بل أن الغاية منه الإشارة إلى الامتداد والى الثنائيات والمتناقضات التي يرمز إليها البحر فهو رمز للهدوء والعنف معا، رمز للسلم والغدر معا، فهدوءه عنوان لصفاء الصيادين امّا غدره فإشارة إلى غدر من ينكّلون بأبناء الشعب لخدمة حاكم ما، فالبحر الذي يمتعنا أحيانا يكون في العمل مقبرة جماعية لكل من فكر في مواجهة النظام، جميع هذه الرسائل والشيفرات تعبر عنها المخرجة من خلال الموسيقى والضوء المتسارع المتماهي مع حركات الممثلات.

جسد المرأة صوت لوجع الوطن
رحلة تكتبها الموسيقى وأجساد الممثلات، رحلة في خفايا الوجع الانساني الذي تعانيه المرأة، على الركح تتعرى الأنفس من كلّ القيود، ثلاثة أجساد لنساء يصرخن، يبدو انهنّ يحاربن عدوا لا يراه المتفرج وبقاؤه مخفيا دلالة على اختيار كاتبة النص الانحياز إلى المرأة ومناصرتها على عدّوها.

العدو المخفي هو السلطة، النظام القمعي، النظام البوليسي المتسلّط والسالب للحريات، هو الآخر العنيف الذي لا يؤمن بقيم التعددية ولا يعرف انّ المرأة قادرة على الانبعاث من وجعها كما طائر الفينيق، رمزية الآخر هنا وغيابه تكشف عن قوة المرأة فهي واقفة تنتظر جثة زوجها لدفنه كما سيزيف تعاند موج البحر ومده وجزره ولا تزال صامدة.

ثلاثتهنّ دون هوية، واحدة تبحث عن والدها مربي الاجيال، ترى في بريق عينيه كل شموخ الدنيا، منذ قبض عليه وهي تطلب المدد ممن علمهنّ والدها القراءة والكتابة «ماناش وحدنا، اليوم ثلاثة غدوة عشرين بعد غدوة مائة مرا»، الثانية اختطف شقيقها بسبب مشاركته في مظاهرة والثالثة تظل قصتها مخفية ليكتشف المتفرج أن زوجها خان الوطن وجبن فقررت الانتقام لكرامة وطنها بمساعدة كل الرجال الصادقين.

أحداث المسرحية تدور على شاطئ البحر الذي قذف بالجثث، جثث يريدون دفنها بينما القوات المسلحة تمنعهم، تضربهم تسمعهم كل الوان الشتم وتطلب منهم العودة الى منازلهم، يتهمونهم بالجنون ولكنهنّ مرابضات على الشاطئ حتى يتسنى لهنّ دفن الجثث التي لفظها البحر.

في المسرحية صراع مع الانا والاخر، صراع داخلي مع الخوف واليأس وصراع خارجي مع العدو المخفي، صراع تبدع في تجسيده اجساد الممثلات وحركاتهنّ، ممثلات تقمصن الشخصيات حدّ التماهي مع توظيف متقن للموسيقى والضوء فكانت المسرحية صوت وجع الوطن ابدعت في نقله اجساد الممثلات.

أتركوا لنا الوطن نعيد إعماره
هنّ الولادة، هنّ الحياة، هنّ الأرض الحبلى بقيم التضحية والصمود والسماء المتشوقة لتمطر املا وحبا كلما عصفت الحرب، هنّ السلم والقوة، هنّ الشموخ والصمود، هنّ معمرات الارض بعد خرابها الاخير، فوحدها المرأة قادرة على إعادة إعمار الأرض كلما جفّت منابعها، هكذا تكون المرأة في مسرحية «الأرامل»، فالمرأة تكون سيدة الموقف والمكان، هنّ حارسات جثث الضحايا، هنّ اللواتي اعتصمن إلى حدّ أن وصلت اصواتهنّ إلى السلطة المركزية هنّ اللواتي طالبن السلط باعطائهنّ الجثث لدفنها قبل المغادرة، لكن الأحداث تنقلب وعوض مطالبتهن بالجثث فقط يطلبن من الآخر من العدوّ من الظلام ممن يريد إنهاك الوطن أن يغادر «اخرج، اخرج» وبإشارات الطرد يقلن «اخرج تو نعمرها وحدي البلاد» جملة قلبت نص المسرحية فبعد الكآبة والحديث عن الوجع والألم تضع المخرجة الجمهور أمام المرأة مصدر القوة الأزلي ففي الأرامل تؤكد المخرجة من خلال حركات الممثلات المتميزات انّ المرأة شامخة كما النخيل لا تعرف الانحناء أو الاستلام لأنها الوطن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115