عرض مسرحية «سيلوفان» لحبيبة الجندوبي ضمن المهرجان الوطني للمسرح التونسي: المسرح ولادة متجدّدة

المسرح حياة، المسرح ولادة من العدم، الخشبة فضاء للحلم للخلق ولبث الروح في الجماد ليصبح حيا ومن الجماد

خُلق عمل مسرحي موجه للكبار يسال عن الأمل والحلم وينقل انفعالات الإنسان على الركح في «سيلوفان».

المسرحية للمخرجة حبيبة الجندوبي وأداء ثريا البوغانمي وآمال العويني وريان عويشاوي وفتحي الذهيبي وعدنان الجندوبي وكرامة الشابي وصنع الدمى لإيمان العظيمي ومحمد خالد حمدي وموسيقى لأسامة السعيدي وإضاءة صبري العتروس .

بالسينوغرافيا تتحول الأشياء إلى شخصيات
حين تصبح الأشياء شخوصا تتحرك حين تبعث الحياة في الأشياء وحين يتحول الجماد إلى شخصية متحركة تقدم دورها ورسالتها فأنت في حضرة أب الفنون الذي يبعث الحياة في الدمية والشيء ويصنع منه شخصية ذات نص وحركة وفعل مسرحي يقدم رسالة فنية ما.

الموسيقى هادئة وجميلة، زقزقات عصافير وموسيقى للحب تنتشر في المكان، أيادِ بيضاء تتراقص امام المتفرج واختيار الأبيض كان الهدف منه شد انتباه المتفرج للتركيز على اليد دون غيرها من الجسم فالأبيض تحت الضوء يصبح مبهرا وجذابا، تتراقص الأيدي كأنها تدعوك لخوض الرحلة المسرحية، صوت لضحكات اطفال ففراشات تتراقص أمامك بألوانها الزاهية والجميلة، فجأة تتغير الموسيقى لتحدث ضجة وعنفا نفسيا، تتغير الشخوص تختفي الفراشات فتظهر الشخصية الرئيسية تلبس قناعا لحمار وترقص في أرجاء القاعة كطفلة صغيرة تلاحق شيئا ما، كلما تغيرت الموسيقى تغيرت حركاتها ورقصاتها، وكلما هدأ النسق تجدها تتحرك ببطء وتلاعب الشخصيات الحيوانية الأخرى ومتى ارتفعت النوتات الموسيقية التي أبدع في كتابتها أسامة السعيدي تتسارع حركاتها ورقصاتها كأنها تعبر عن خوف وانفعال نفسي داخلي.

في «سيلوفان» وهو اسم المسرحية تدخل المخرجة إلى العوالم النفسية للإنسان، تلك الانفعالات مثل الخوف والرهبة والسعادة والرغبة في الحلم والتوق إلى صناعة شيء مختلف والفرحة والبكاء جميعها تكتبها على الرّكح من خلال حركات الممثلة الكوريغراف ثريا بوغانمي والدمى الصغيرة والعملاقة التي وظفتها في العمل، كما السيلوفان الشفّاف لكنه متماسك وقوي كذلك تكون الذات البشرية تبدو جدّ مرهفة لكنها عصية عن التحطيم حسب أحداث المسرحية

بطلة الحكاية طفلة صغيرة قرأت حكاية ما، وفي حلمها تعيد ذاكرتها صياغة الحكاية لتصبح الطفلة بعد أن لبست قناع الحمار جزءا من القصة، تتحول إلى الشخصية الرئيسية وتواجه كلّ المصاعب في المغامرة التي أثثتها عوالم السينوغرافيا من الموسيقى إلى الضوء إلى حركات أجساد الكوريغراف ومحركي العرائس.

الدمية شخصية نابضة بالحياة
تتسارع الإيقاعات، تزداد حركات الكوريغراف قوة وعنفا، تتواصل المغامرة الشيقة في عوالم الخيال التي تعيشها بطلة القصة، في العمل تصبح الدمى حية نابضة بالحياة، تدق نبضاتها كما محركيها، فالمحركون بثوا من أرواحهم قليلا في الدمى الصغيرة أو العملاقة وعلى الرّكح يشاهد المتفرج مزيجا من الكوريغرافيا والتحريك، لكل فن خصوصياته واستطاعت حبيبة الجندوبي أن تجمعها في عمل واحد صنع الاختلاف.

الرحلة التي تخوضها البطلة في عوالم الخيال تواجه فيها مصاعب متعددة فهاهي تواجه خفافيش الظلام وطيورا تشبه الغربان وعلى الرّكح يلبس جميع الممثلين أكياس البلاستيك السوداء الكبيرة الحجم حاملين رؤوس الغربان لتبدو الصورة جدّ قريبة من الواقع معها تصبح الموسيقى أكثر قوة كأنها تنقل للحظات خفقان القلب لحظة الخوف.

تتواصل الرحلة تتغير الأضواء لتصبح اشد صفرة ومعها حركات الكوريغراف الناطقة بجمل العمل فالجسد وحده يتكلم ويعبر عما يخالجه ويعبر ما تختزنه الذاكرة، فهاهي ممثلة تتحول يدها إلى أفعى تتحرك تحاول لسع الحلم، ومرات تنفرج الحكاية فتجدها تعانق الفراشات والإوز في بحيرة صنعت من «السيلوفان» الأبيض الذي كان قبلها يمثل شخوصا العملاقة لاستسقاء المطر أو هي الأرواح المساعدة التي تشجع على الحلم التي نقرؤها في كل الحكايات.

في سيلوفان تبعث الروح في الدمية، الشخصيات الرئيسة هي الدمى بمختلف أحجامها يحركها محركون مهرة، ممثلون أبدعوا في التماهي مع الدمية أيا كان شكلها او حجمها، وأبدعت حركات الكوريغراف ورقصاتها في إيصال رسائل العمل، فعاش الجمهور الرحلة في عوالم الخيال وعانق مصاعبها وانفرجت أساريرهم كلما انتهت العاصفة، كل هذه الأحداث المتسارعة كتبت من خلال الضوء والموسيقى ليكون العمل متكاملا شكلا ومضمونا، مسرحية تعطي القيمة لمسرح الأشياء ذاك الذي يحوّل شيئا متروكا إلى شخصيات تؤثث لعمل مسرحي مختلف.

ثريا البوغانمي: المرأة شعلة أمل وحياة
ممثلة مميزة، وكوريغراف مختلفة، ثريا البوغانمي صاحبة الشخصية الرئيسية في «سيلوفان» تميزت وتألقت على الركح، نقلت المتفرج إلى عوالم الطفولة وذكريات الصغر وفي الوقت ذاته عايش وقع الجسد وقدرته على التعبير، ثريا البوغانمي مبدعة تحوّل الوجع إلى حياة وتصنع من ألمها أملا تقدمه إلى المتفرج، فرغم وفاة والدها وبعد اقل من ثلاثة أيام عادت إلى الركح لتقدم عرضها «شقائق النعمان» مساء الخميس وكانت مميزة وأبدعت في «سيلوفان» فالمرأة الفنانة لا يقصمها الحزن لأنها تصنع من وجعها ولادة للأمل وقاطرة للحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115