عرض مسرحية «دون كيشوت تونس» لمعز العاشوري ضمن المهرجان الوطني للمسرح التونسي: داخل كل منا «دون كيشوت» يسكنه فهل للوطن «دونكيشوته»؟

باسم الحب نقتل، باسم الحب نذبح باسم الحب نسحل، باسم الحب نغتصب باسم الحب نتجاوز القانون ، باسم الحب نشرع لقانون

الغاب باسم الحب نضطهد الفنّ والفنان وباسم الحب يصبح الحب تحت المراقبة وهو اسم المسرحية التي التقى بها جمهور قاعة المبدعين الشبان ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح التونسي.

«حب تحت المراقبة» أو دون كيشوت تونس مسرحية تجريبية ناقدة، عمل يتساءل عن ماهية الحب في المجتمعات العربية وهو نص وإخراج لمعز العاشوري وتمثيل كلّ من هندة الغابري وبشير الغرياني ورامي الشارني ومحمد سفينة وخليل بن مصطفى ورضوان شلباوي ومعز العاشوري وزينب محمد، وتصميم الملابس لنادية عاشور وتاليف الموسيقى لمنصف بن مسعود وتنفيذ سينوغرافيا لسندس بالاصفر وتكوين سركوي لرضوان شلباوي والاضاءة لتوفيق مراد وطه حراث والصوت والفيديو اشرف على تنفيذهما يوسف عجاجة.

كيف نجد الحقيقة والتاريخ مزيف؟
هل أن التاريخ المكتوب كلّه صحيح؟ هل أن كل الشهادات المدونة حقيقية؟ هل أن كل من سُجن كان ظالما او سارقا؟ الا يوجد في السجون من ظلموا باسم الحب؟، إلى الانفعالات والاختلافات النفسية لشخصية رجل الأمن يحمل كاتب النص جمهوره، باسم الحب زيّف وكذب، محمد علي المغربي شخصية محورية في المسرحية، هي شخصية الامني المكلف بمراقبة المخرج المسرحي عزيز (رامي عويشاوي) فوقع في حبّ حبيبته عزة (هندة الغابري) فاقترب من المجموعة إلى حدّ ان قرأ عن «دون كيشوت» وأصبحت له قدرة على التحليل والتفكيك وإبداء الرأي ثمّ صعد معهم على الرّكح بتعلّة حبّ المسرح فقط ليقترب من عزة.

«دالي المروكي» الشخصية المهووسة بالحب التي حوّلت الحب سلاحا لمحاربة الجميع تحديدا عزيز بعد أن كتب فيه تقريرا واتهمه بتكوين خلية ارهابية خاصة وان نص المسرحية يتضمن مشاهد عن الجهاد والتدريبات والجبال، لأجل الاستحواذ على عزّة دمّر الأمني قصة مخرج حالم وممثل يطمح أن يكون المسرح صوتا للحق، ولان المسرح وعاء للواقع تكون الشخصية عينة عن نماذج كثيرة من امنيين زيفواالحقائق وتسبّبوا في سجن وتحطيم آلاف الأحلام المتقدة والآمال الملتهبة فقط لاعتبارات شخصية، وهنا يمكن التساؤل عن التاريخ المكتوب وقصص وعذابات من دفعوا من أعمارهم سنوات كثيرة بسبب كذبة.

جميعنا نعيش حالات دونكيشوتية
جميعنا نعاني هوسا بشيء ما، داخل كل منا «دون كيشوت» بجنونه وصخبه، داخل كل منا يسكن «سانشو» ذلك الصديق الودود والخادم المطيع، داخل كل منا فارس شهم يحارب طواحين الهواء ويراها فرسانا وجب نحرها والقضاء عليها، كلنا نعيش الهوس بسبب الحب، حب السلطة وحب المال والنجاح وحتى الحب لأجل الحب جميعها تركيبات نفسية تجعل منا حالات دونكيشوتية.

في «حب تحت المراقبة» يستعمل المخرج جميع وسائل السينوغرافيا التي اشرفت على تنفيذها سندس الاصفر واللعب الدرامي لتقديم مسرحية داخل المسرحية فالجمهور يتابع مسرحية «حب تحت المراقبة» التي تتحدث شخصياتها عن «دون كيشوت تونس» ذاك الفارس المغوار الغيور على القضية الفلسطينية وبعد حرب العراق وجد نفسه في الموصل للجهاد ليعايش المتفرج شخصيات تحدثه عن شخوص في داخلها .

على الركح تشاهد مسرحية داخل المسرحية، تتشابك الأحداث، تختلف الشخوص والشخصيات، منذ البداية يحمل الممثلون الجمهور إلى عالم الرحلة، مجموعة من الشخصيات تدخل إلى الرّكح محملة بالحقائب التي تتحول إلى شاشات للعرض، الشخصيات في دون كيشوت بعضها له اسم وأخرى لا ماهية ولا اسم لها، ترك الكاتب للمتفرج حرية إعطائها أسماء، عمل داخل العمل، شخصيات حب تحت المراقبة هم عزة وعزيز وممثلون آخرون، يتدربون على مسرحية لـ«دون كيشوت» كلما تغيرت الأحداث تغير المكان والانفعالات النفسية للشخصيات، انفعالات واختلاف أبدع في تجسيدها الممثل رامي الشارني الذي تقمص شخصيتين، شخصية «عزيز» المخرج بلباسه المختلف وشعره الأهوج ونبرة صوته الرقيقية، وشخصية «دون كيشوت» تونس ومشية تشبه حركات الفارس ونبرة صوت غليظة ، تناقضات واختلافات ابدع الممثل الشاب في تقمصها وتقديمها الى الجمهور.
«حب تحت المراقبة» او «دونكيشوت» نص مسرحية ناقدة تسائل الواقع، تسائل الجميع عن دورهم تجاه مجتمعاتهم وأوطانهم، تسأل الفنان هل أنه قام حقا برسالته كاملة ام ان «الخبزة» الهته عن الفن؟ تسائل الدولة عن ابنائها الذين هجّروا وقتلوا أو اختاروا الموت في عرض البحر، حب تحت المراقبة مسرحية ساخرة تجمع الكوميدي والتراجيدي تنقد حال تونس بين 2004و2005 والغليان الذي عاشته الفئة المثقفة والمسرحيون الذين كانوا دائمي الريادة للتغيير نحو الأفضل.

في المسرحية اعتمد المخرج على كل وسائل التجريب والتجديد في المسرح اعتمد اللعب الدرامي التقليدي مع حركات المهرج و استعمل تقنيات الضوء الحديثة و الفيديو والمابينغ في مسرحية تجريبية ناقدة، عمل مجدّد في المسرح التونسي، توفرت داخله الفرجة المسرحية متكاتفة مع الفرجة السنيمائية من خلال تقنيات الفيديو التي نفذها يوسف عجاجة، فقدموا مسرحا توثيقيا تأليفيا ونقديا ينقد الجبن داخلنا وينقد سعي الانسان الى تأسيس مملكة الكراهية ورفع شعارات القتل والظلم والحيف باسم الحب فذاك يقتل الأبرياء باسم حبّ الله وهذا يسجن أبناء وطنه باسم حب الوطن وغيره يبعث برسائل الانتقام باسم حب الحبيبة وكل حبّ يكون حالة دونكيشوتية مرضية.

المرأة الحرب والسلام
هي سيدة الاحداث التي تحرك شخوص المسرحية دون ان تكون في الصف الاول، فدون كيشوت يحارب طواحين الهواء لأجل إرضاء حبيبة صنعها خياله، يحارب الكل فقط لإرضاء سيدة جميلة ابتسمت له، ودون كيشوت تونس حملته كلمة «من لم يتزوج شامية مات اعزب» إلى ساحات القتال في الشام فالموصل وحبه لابنة الفلاح وتمنيها ان تشاركه في فعل النكاح دفع به الى خوض مغامرة الحرب، وحبّ عزيز لعزة دفعه ليبحث في مسرحية دون دونكيشوت وحبها للخوض في المقدس حوّل وجهة العمل من تأريخي إلى فلسفي يتساءل عن ماهية الدين والمقدس عند دون كيشوت، وحب الرجال لسارة دفعهم لاتهامها بالفجور حتى تقتل بعد تمنّعها وحب «المروكيط لعزة دفعه الى القراءة ثم الخشبة ثمّ ادعاء السحر والقدرة على اخراج الجان من الجسد حتى يتزوج المرأة التي أحب، فالمرأة في المسرحية هي المحرك الأساسي للأحداث هي سيدة العمل وسيدة الفكرة وان اختفت جسديا، هي سيدة كل حركة تؤديها بقية الشخصيات لأنها محور الاحداث ففي حضورها سلم وفي غيابها الحرب وفي «حب تحت المراقبة» تكون هي المراقب والرقيب.

الموسيقى مطية لفهم أغوار الشخصيات
الموسيقى لغة الشعوب، سيدة الموقف والفكرة، في مسرحية دون كيشوت تكون الموسيقى عنوانا للدخول في اغوار الشخصيات وتفكيكها، بالموسيقى نقل المخرج انفعالات شخصياته وبالموسيقى نقلهم من حدث الى آخر فالموسيقى شخصية وهي مكان متغير حسب تسلسل الاحداث والأفكار، الموسيقى لبنة اساسية في العملية الابداعية وقد اشرف على تأليفها عازف الترومبات المميز منصف بن مسعود فكانت خاصة بالعرض حبلى بالمعاني وأفكار الشتات لأنها جزء من روح فنان ثائر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115