المهرجان الدولي للشعر بتوزر: الشعر لا يموت في بلاد الجريد

«أيها الحب أنت سرّ بلائي وهمومي وروعتي وعنائي ، ونحولي وأدمعي
وعذابي وسقامي ولوعتي وشقائي»


هكذا الشعر عند الشابي حبّ موجع وجع الوطن، وهنا في بلاد الجريد اجتمعوا على الحبّ إذ يجمعهم الشعر، يجمعهم حب الكلمة والذوبان في النص والتيه في سحر الكلمات، يجمعهم القول وروعة الوصف وحالة الذوبان مع القصيد، يجمعهم حبّ الإبداع والكتابة، اجتمعوا على حبّ الشعر وفي توزر تحلو لقاءات الشعراء لأن توزر جنة الشعر وواحة الشعراء وفيها تنطلق القريحة لتقول أعذب الكلمات بمناسبة الدورة التاسعة والثلاثين للمهرجان الدولي للشعر في توزر.
الشعر الذي عشقه أبناء الجريد وتميزوا في قوله، الشعر الذي أحبه الشابي إلى حدّ الفناء وكتب فيه أرقى وارقّ الوصف واللحظات، الشعر الذي يتوارثه أبناء الجريد جيلا بعد جيل فهو دينهم المقدس وديدنهم الأزلي هذا الفن القديم المتجدد الذي يقول فيه خير الدين الشابي بمناسبة الحفل الافتتاحي:
الشعر عندي جهاد
إن تغطى تجلى
أمواته أمجاد
يحييون مثل الأهلة
ومثلي أقلة
أنا أمير البلاد ودولتي مستقلة

شعرية الموسيقى وموسيقى الشعر
الموسيقى صوت الكادحين وصوت لكل عشاق الحياة هي لوعة المحتارين والحالمين وفي افتتاح المهرجان الدولي للشعر كان اللقاء مع تمازج الكلمة والموسيقى خلطة فنية تجمع الكلمة الصاخبة مع نوتات العود المتمردة فتصنع جوا مشحونا بالحب والرغبة في التمرد هكذا يمكن وصف اللقاء بين عود الفلسطيني ناصر قواسمي والفنانة هدى بكّاري لقاء نقدوا فيه حال تونس وتساءلوا عن الشرعية، لقاء نوتات العود التي تخاطب الوجدان ومعها سحر الكلمة التي تفتت جلاميد التحجّر احيا، بالموسيقى نادوا الى الحرية، صوت العود يغازل صوت الفنانة وعذوبة الكلمات وصخبها أحيانا ليصرخوا انّ الشعب هو الشرعية في أغنية نقدت الوضع التونسي يقولان فيها :
نحب نغني
نحب نعيش
مانحبوش نكونوا عبيد
واسم الدولة دولة عصرية
الشرعية هي الشعب
والشعب أساس الشرعية

الوطن قصيد يبدئ ولا يعرف النهاية
هو الانتماء هو الفضاء الذي يجمع الجميع هو الفكرة والحلم معا، الوطن تلك المساحة الجغرافية التي تتحوّل إلى شحنة حبّ تسكن الشاعر وتدفعه لأجل أن يقول أجود الكلمات، من وطن سميح القاسم ومحمود درويش وغسان كنفاني وايليا ابو ماضي جاء محمّلا برسائل الحرية، من وطن الثورة المستمرة والدفاع الابدي عن الارض جاء مشاكسا وحالما يقول في وطنه أجمل القصائد، يتغنّى بسحر يافا وجمال عكّا، تأسره رائحة برتقال يافا وياسمين تونس، الشاعر الفلسطيني خالد الشومري قرأ لوطنه فلسطين قصائد عديدة حلم فيها بالوحدة والسّلم، وأكد من خلال الشعر أن الاختلاف والخلاف سبب فساد الأوطان فكل مآسي الدنيا سببها القدر إلا مأساتك يا وطني سببها الانسان» كما يقول، ولارضه تلك ووطنه الجريح يقول:
طيري إلى الأعلى
لا تتوقفي
حتى ظلال الشمس فيك تختفي
كوني سماء لم يصلها كوكب
تمردي تعددي وتجدّدي
انّ المجيد يمجده لا يكتفي
الوطن فكرة تسكن الشاعر، شوارعها وتاريخها يدفعانه لكتابة اجمل القصائد، الوطن الفكرة والمرأة والحرية والحبّ، الوطن هو الصدق الاول قصيد يكتبه الشاعر له بداية دون نهاية فليس لحبّ الوطن من نهاية، للاوطان المنهكة قرأ الشاعر المغربي عبد الله المتقي من ديوانه «التفت واتذكّر» قرأ للحرية وفي قصيده حاور الحرب وتخيلها شخصا ماديا امامه وسألها بلوعة الطفل والرجل الحالم:
أنت أيتها الحرب
جربي ان تسهري ملء جفونك
في حانة صاخبة كموسيقى الجاز
وعلى رصيف الليل
دوسي على ذيل قط
كي يمزق المواء صمت الليل
أنت أيتها الحرب
جربي ان تضعي اصابعك
في معطف الحياة
وانحدارا صوب شجرة الكاريسا
كي تستريحا ولو قليلا من الموت
انت ايتها الحرب
جربي صباحات مقهى الكورنيش
احتسي فنجان قهوتك السوداء
انفثي دخان سيجارتك
واقرئي الجرائد التي لا تحتفي
بنشرات اخبار الموت وأسلحة النينجا

الشاعر عاشق للحياة
الشعر شوق إلى الحبّ شغف إلى حدّ الشبق بالحياة وكل تلويناتها الكلمات التي يكتبها تعبيرة داخلية عن فرح يراقصه كلما ابتسم أو اعترضت طريقه كلمات جميلة، الشعر أيضا تحدّ للموت ومواجهة للقدر فالشعراء لا يموتون متى خلدت كلماتهم والشعراء يحييون في ذاكرة العشاق وطلاب الأمل ومن تجربته الشخصية ومحاولة ترهيب تعرض لها سابقا كتب الشاعر مراد العمدوني وخلّد تلك الحادثة في قصيد وصف فيه توقه الى الحياة وتمسكه بتفاصيلها:
خارجا من قبري
ارفع صور الشهيد
امشي بجثة تخونني الى حتفي وحيدا
منزوعا من هيكلي العظمي
ولا عمود لظهري
وكنت انت ايتها النخلة
التي تخلقها الغيمات من كريات دمي
تتسلّلين وحيدة من شقوق الصخر
الى حامضي النووي
وتزرعين اوتار الموج فوق صدري
الموت لا يخيف الشاعر لكنه يدعوه للسؤال، الموت لا يخحيف الكلمة لانّه يوشيها بأطر لا تتحطّم، الرصاص لا يخيف محبّي الحياة لكنه يدفعهم ليسائلوا القتلة ويسالهم عن الظلام الذي يسكنونه بالقول :
يا ساكن الأشلاء الداكنة
منذ متى وأنت تنظّف أحذية القتلة
وتفخّخها بدم القتيل
هنّ النساء هنّ الوطن
هنّ عنوان الجمال، هنّ الحياة، هنّ الوطن المصغّر هنّ الياذة الحب الازلية من رحمهنّ يولد الانسان فهنّ الفكرة المتمردة كما كلمات الشاعرة المغربية دليلة هياوي، شاعرة تقرأ بلغات عديدة وتكتب بها ايضا للمرأة وللطفولة وللانثى التي يحاولون خنقها في ركن مظلم فقط لانها انثى قالت الشاعرة الهادئة صاحبة الصوت العذب والحضور البهيّ:
علموني في الصغر
والعلم ذاك
كما نقش فوق الصخر
علموني أن الظّفر خالص الظفر
ألا يحبو طموحي
بعيدا عن روضة البصر
ألاّ يحلق فكري بفضاء فكره
لأنّه مكمن خطر
ألا يلهج بتسبيح لغير ادم بالجهر
لان الحياة بدونه
تطرد حواء من فيلق البشر
علموني في الصغر
علموني ونسوا
انّ الكبرياء شرارة
مهما استسقوا لها المطر
في لحظة قد تؤجج أعتي سقر
عليّ لا تبقي وعليهم لا تذر
علموني في الصغر
علموني ونسوا أن المولى لم يكتب لي
«أنثى» بصفحة القدر
بعدما يقصم مولدها
مني الظهر
ألقمها لأجلهم ثدي القهر
علموني علّموني في الصغر
هذه الجذوة المتمردة تسكن كلّ أنثى، فجميعهنّ يسكنهنّ حبّ الثورة والتمرّد وعدم الخنوع، لأنهنّ قبس الحياة ومن ارض الجريد قرأت سيدة نصري قصيدا للمرأة صدّرته بسلام سندسي قصيد تصف رقّة المرأة وطموحها وبياض أحلامها كالجنة الوارفة الظلال والآمال وتقول:
سلام سندسي
كما الطيف احمل بيض الأماني
خضرته الوارفة
وفاكهة الشعراء
توقه المترامي وتبر صحرائه الأزلي
عناقيد شوق وشلال ماء
في زمن العطش والحصار
ارفعه زنابق توق لكل فضاء
غصن زيتون
وناشاما من حنين هطل
وفيض شذا
جريدية القسمات
سامقة كالنخيل
ومسكونة بالجوى
خضرته في عروقي
وواحاته ارتديها
رمزا لموطن
يمتطي صهوات الأدباء

الشعر تخليد للعظماء
الشعر الذي عشقه أبو القاسم الشابي، الشعر الذي قاله عنترة لحبيبته عبلة وخلّد قصة هيام قيس بليلاه، الشعر هو الذي خلد حكايات الجازية الهلالية ووصف الثورات عبر التاريخ، في الشعر ملجؤهم به ينفثون فيه حرارة الروح ويكتبون معه الوجع، الكلمات تكون كما السهام تخرج نصالها لتزرع في قلوب العاشقين، الشعر ملجؤهم كلما ضاقت الأفق والكلمات مآلهم ولانّ الشعر تخليد للعظماء أراد محمد نجيب هاني تخليد أستاذه عالم الآثار السوري خالد الاسعد الذي اغتالته داعش في أوت 2015 بقصيد هو نفث لوجع الروح كما انّه صرخة حياة تخلد ذاك العالم فداعش ستنتهي يوما وسينسى التاريخ كل المرتزقة والقتلة فيها لكنه سيخلّد ذكرى الصادقين والمؤمنين بالفكرة والوطن ولروح خالد الأسعد وكل من قتلتهم يد الغدر يقول ابن سيدي بوزيد:
مررت
بمدينة أهلها من العشاق القدامى
لحمرة التاريخ في نبض الوطن
وجدتهم يتآمرون
حول زيتونة أهلها أجنّة القول
يترجمون الأساطير
يرفضون الخطب
يرفضون تعاويذ النخب
لهم في القتل
براءة الشيطان في إرباك القصيدة
«تبت يدا ابي لهب وتب»
المشهد غير مطمئن
الروح اختنقت اخلامها
بنظرات الجالسين على مشارف العين
يترصدون حركة الشيخ الجليل
وقد اعدموا من قبله
رايت حزن العراق
في سعف النخيل
ورايت الشام
تنشد المستحيل
رايتهم يحاولون تغيير النخيل بالعنب
تبت يدا ابي لهب وتب
رايتهم يحتفلون بموت الوليد
بموت التاريخ
افتتح المهرجان الدولي بتوزر دورته الحالية بالقراءات الشعرية واهازيج الحياة التي تغازل الوطن وتكرّم الصادقين والباحثين عن الحبّ في ربوع الكلمات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115