المهرجان الوطني للمسرح التونسي في دار الثقافة ابن الهيثم بقبلي: ندوة الملحمة من النص الى الفرجة: الملحمة فعل ابداعي له جانب تأريخي

الملحمة او البطولة ذلك النص الذي يؤرخ لشخصية بطولية لها الدور الابرز في المجموعة، شخصية تبدع الكلمات في تقديمها واظهار مواطن القوة والفرادة

فيها ولانّ الجنوب ارض للملاحم وللشخصيات المميزة والبطولات اختار مركز الفنون الركحية والدرامية بقبلي ان تكون الملحمة عنوانا لندوة فكرية ضمن فعاليات مهرجان المسرح التونسي.

الندوة الفكرية حملت عنوان «الملحمة من النص الى الفرجة» وساهم فيها كل من حسن مبارك وعلي سعيدان وعبد المجيد البرغوثي وكل منهم قدّم رؤيته للملحمة وللنصوص ذات الطابع الملحمي.

الشعر الشعبي حارس الملحمة الدائم
الملحمة من النص الى الفرجة عنوان ندوة فكرية احتضنتها دار الثقافة ابن الهيثم بقبلي ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح التونسي الذي يشرف عليه في الجهة مركز الفنون الركحية والدرامية، الندوة الفكرية تناولت موضوعا مطروحا بقوة في الأعمال المسرحية والفنية التي تنجز في ربوع قبلي والجنوب التونسي عموما وهي الملاحم.

بداية المداخلات كانت مع الباحث حسن مبارك الذي قدم تعريفا لغويا للملحمة وهي من فعل لحم والملحمة هي الواقعة العظيمة، اما اصطلاحا فهي بطولة شعرية مليئة بالأحداث تعتمد على تكوين المكون التاريخي نحو الرواية والقصة التي يحولها الشاعر الى ملحمة، الملحمة ايضا حسب حسن مبارك مادة قصصية ضخمة مثل الجازية وعنترة وفي نفس المداخلة اشار الاستاذ حسن مبارك انّ سبب كتابة الملحمة وعي للعرب بتراثهم مشيرا إلى نشوء المدرسة الفلكلورية في مصر والعراق في منتصف القرن العشرين مع محمد الجوهري وعبد الحليم يونس ورشدي صالح وقد كان ذلك بداية لتقديم الاعمال الملحمية المهتمة بالسير العربية وفي تونس كان عبد الرحمان قيقة في النفيضة ومحمد المرزوقي في دوز يدونان نصوصا ملحمية تنطلق من بيئتهم المحلية.

فالملحمة العربية تتحرك في خط ثوري فهي أقاصيص ارتبطت بالشعبي في مواجهة الآداب السلطانية والملحمة تسير إلى كلّ ما هو بطولي يجمع بين الرؤى والخيال كما أنها تخبر عن حركة البطل الفرد الذي ينتمي الى الجماعة ويعبر عنهم، بالإضافة إلى الأحداث الوطنية فإن جميع هذه المواضيع يجمعها الشاعر في قصيد واحد أو حكاية واحدة تجمع الواقع مع مسحة من الخيال والمبالغة كالجازية الهلالية أو ملحمة حسونة الليلي، وعادة ما تنطلق الملحمة من البيئة المحلية لتنشر أحداثها جغرافيا عن أكثر من مكان فالجازية مثلا في كتابات قيقة تبدو كأنها انطلقت من مدينة النفيضة وفي كتابات المرزوقي مثلا نراها تنطلق من ربوع الصحراء.
وشاعر الملحمة هو الذي يهتم بتاريخ الشعوب واساطيرها ويحولها بقدرته البلاغية الى عمل فني مميز، و»عادة لا نجد تاريخا مدونا في الملحمة» لكن جميعها تضم الفرجة وتتوفر على عناصرها مثل ملاحم الجرجار و الدغباجي «الخمسة الي لحقوا بالجرة مولى الموت يراجيّ» الاغنية التي توثق للملحمة وتنقل تفاصيلها بكل دقة، هذه النصوص انتقلت الى الفرجة في مرحلة ثانية، ليختم صاحب المداخلة بالقول بكلمة لعبد الرحمان الابنودي»يبقى الشعر الشعبي المسؤول الاول فهو حارس يقظ كحراس المعابد المصرية».

لا وجود لملاحم في الادب العربي
امّا علي سعيدان فقد أشار إلى أنّ بدايات تقنين الملحمة يرجع إلى كتابات أرسطو «الشاعرية» وهو أقدم تعبير موجود على الملحمة، منوها إلى أنّ الفن الشعري هو المحاكاة او التقليد فالشعراء كانوا يقلدون بعضهم البعض في الأوزان والأشعار وطريقة الإلقاء ومن مقومات الفن الشعري المحاكاة والتمثل والمشهدية وثالثا الخيال فكثيرا ما يخرج الشاعر عن الواقع لتخيل عناصر تزيد من قوة العمل وهذه الخصائص نجدها في الأعمال الملحمية.

وأضاف علي سعيدان ان حضور الفرجة ضروري في الشعر من خلال «المعنى» و«القافية» و«السبب» مشيرا إلى أنّ ارسطو في كتاباته وقراءاته تعامل مع الملحمة ككائن حيّ له الحرية في التحرّك داخله أما بالنسبة للآداب العربية فهناك الكثير من القصص والحكايات لكن لا وجود للملحمة حسب التعريف الارسطي بسبب قضايا السيرة النبوية، فالملحمة عادة ما ترتقي بالبطل الى رتبة نصف الاه وتحضر فيه قصص الالهة المتعددة بينما فكرة «التوحيد» تلغي هذا الجانب التخييلي عن الحكايا العربية لذلك لا وجود لملاحم في الادب العربي.

في الحديث عن المسرح الملحمي اشار علي سعيدان أن المسارح ولدت في المانيا مع المسارح العمالية ثمّ مهرجان افينيون بفرنسا وهو مسرح يهتم بقضايا المعدمين أما في تونس فالملحمي عرف مع عبد العزيز العروي الذي قدم مسرح شعبيا ثمّ مسرح علي بن عياد الذي قدم مسرحا في منزلة بين المنزلتين «الكلاسيكي» و«المعاصر» وربما يمكن الحديث عن مسرح ملحمي مع «عبد المطلب الزعزاع» الذي قدم للمرة الاولى ما يسمى بالمسرح الملحمي في عام 65 والتجربة قدمت نصوصا من المسرح العمالي لتكون الانطلاقة الاكثر ملحمية مع مسرحية «محمد علي الحامي» لانها تجمع بين التاريخي والبريشتي وهي من اخراج الفاضل الجعايبي في قفصة.

وتواصلت التجربة ليكون نص الجازية لحصان طروادة للمسرح التونسي عام 74عمل دراماتورجيا لسمير العقربي واخراج لفاضل الجزيري، ليعاد انتاجه عام 80 والعودة الى انتاج نفس العمل مرات عديدة هو نوع من الاقرار بالعجز وعدم قدرة المسرح التونسي على انتاج جديد ومواجهة نصوص ملحمية جديدة فشخصية «سيدي بلحسن الشاذلي» تستحق عملا مسرحيا ملحميا افضل من اغنية «يا بلحسن يا شادلي» و«الدغباجي» وبوسعيد الباجي جديران بأن تكون حولهما نصوص ملحمية تنقلهما من الذاكرة الى الركح.

الملحمي عنوان للهوية
الشعر الشعبي حارس للملحمة، الشعر الشعبي في نفزاوة عنوان للذاكرة والهوية وجزء من التاريخ ايضا، فللشعر تماس مع الملحمة والشعر الشعبي أفضل ما يعبر عن الوجدان وهو الوعاء الاشمل لجملة من القيم لانه يوثق للحدث ويسجل لاحداث عاشتها المجتمعات كما يقول عبد المجيد البرغوثي في مداخلته التي خصصها للحديث عن تجربة الشعر من النص الى الفرجة في جهة نفزاوة عموما ودوز خصوصا وفي مداخلته تعرض الى تجربتين الأولى عاطفية من خلال قصيد للشاعر احمد البرغوثي ويقول مطلعه:

أحّيه نار الفرقة صامورها تقوّا في مكنوني لهبوا جمراتها قدوْ
وقت ال ريت مرادي مرحولها تحوّا والحيران يونّوا وامّاتهم ثغوْ
منين الصّبح تسيّب م الشّرق بان ضوّا
جابوا بلهم هزّوا من فجرهم سروْ
هذا القصيد الذي تحضر داخله كل العناصر الفرجوية لتحويله الى عمل يجتمع فيه سحر الكلمة والحضور الركحي الفرجوي.

الشعر في نفزاوة كذلك عنوان للتاريخ ولنقل الملاحم العسكرية التي عاشتها الجهة، وفي المداخلة استشهد المحاضر بقصيد للشاعر عبد اللع بن علي المرزوقي حول ملحمة برج دوز القصيد الذي ذكر بالتفصيل كامل الملحمة وذكر ابطالها وشهدائها قصيد يقول جزء منه:
وقع ملطم في برج الدولة الفلاقة دالوه
هاذوكم حلفوا لهاذوما بالسيف نخشوه
الفلاقة جلسوا في الخلة على البرج وروميه
لغط ولد الصيد لعبدالله غدوة نكونو فيه
بات حامد يطحن في غلة اطوال الليل عليه
حتى بان الفجر اجلى صوب نادى بيه
زار جده المحجوب وصله وطالب ما شاهيه
موش وحده محدر بمحله اخوته يحذو فيه
كل واحد على كتفه سله بانيطة وحربيه
حالف بطلاقة لا ولى دون سمح قطاطيه

هذا القصيد تحضر داخله كل عوامل الفرجة فالكلمة باتت مسرحا ويمكن ان يحوّل هذا القصيد الى عمل مسرحي ملحمي تتكاتف داخله كل عوالم الفانتازيا وتكون له وظيفة تاريخية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115