مسرحية «البجعات» لحسان السلامي في مسرح الجهات: مسرح الطفل يحاكي الانسان داخل المتفرج الصغير

اختتمت فعاليات المهرجان الذي ينظمه قطب المسرح والفنون الركحية بالمدينة بعرض انتاج جديد لمركز الوطني لفن العرائس وهو البجعات

الوحشية للمخرج حسان السلامي والبجعات الوحشية عمل يحاكي ثنائية الخير والشر والابيض والاسود والزيف والصدق ثنائيات عديدة عايشها الطفل من خلال مسرحية عرائسية غنائية ممتعة.
و»البجعات الوحشيات» من تمثيل وتحريك فاطمة الزهراء المرواني وعبد السلام الجمل وفارس العفيف وسامح مسعودي وصابر ساسي وبدر الجندري والاميم الرحالي.

الضوء ولعبة اللون لتلوين المشاهد البصرية
السينوغرافيا هي صياغة وتصوير وتنفيذ وتصميم المكان كما يعرفها مارسال فريد، والضوء جزء اساسي من السينوغرافيا وعلى الركح تكون الالوان مبهرة، ممتعة تشد انتباه المتفرج وتبعث في عين المشاهد الصغير علامات مميزة فللإضاءة اهميتها في مسرح الطفل والاضاءة عادة ما تكون في علاقة مباشرة مع عين المتفرج وتعمل على تكثيف الالوان وتناسقها مع الازياء والديكور والاكسوارات لصناعة فرجة متكاملة تشد انتباه الطفل الى تفاصيل الحكاية، الاضاءة في مسرحية البجعات جزء اساسي في العملية الابداعية من خلال الاضاءة يتم التحوّل من مشهد الى اخر وعبر الالوان يحاكون دواخل الشخصيات وأحاسيسها فالازرق مع البنفسجي ينقلان سعادة العائلة الحاكمة من خلال مشهد عيد ميلاد الاميرة «جلنار» او مشهد اجتماع الملك بمحبوبته وسلطانته الملكة والحديث عن العدل والرفاهية التي جعلت الملك محبوبا عند رعيته، وحين يتقلص الضوء إلى أقصى الركح تكون الغاية منه نقل شعور الوحدة في مشهد انزواء الملك بذاته بعد وفاة زوجته، ثم مشهد وحدته بعد اختفاء الاميرين ومشهد حزن الاميرة لفقدان شقيقيها، وحين يتحول الى اصفر كانه لحظات الحزن مثل مشهد الذي نقل صور البجعتين وهما تقاسيان البرد والقرّ والتيه ومتى اطفأت الانوار تكون الغاية الاشارة الى موت احدى الشخصيات كمشهد موت الاميرة الذي لا نراه على الركح وانما نستشعره عبر الضوء.

فالإضاءة كانت وسيلة المخرج لإيصال خفايا الشخصيات واحاسيسها الى جمهور من الاطفال تبهره الاضواء والصور المختلفة التي يزرعها الضوء المسرحي المتحرك في نفسه عوض الصور النمطية التي يتلقاها من التلفاز، فالاضاءة في مسرحية البجعات جزء اساسي في العملية الابداعية عرف المخرج جيدا كيفية استخدامها لجلب انتباه المتفرج الصغير لان الاطفال يحبون التحولات السحرية والمشاهد الرائعة والمؤثرات المبهرة والخدع البصرية التي يصنعها المخرج عبر الضوء.

الموسيقى: صوت الجمال
مسرحية البجعات الوحشية عرائسية غنائية، اغلب الحوار بين الشخصيات يكون مغنى، الحان مبسطة تخترق ذاكرة الطفل وتشد انتباهه مع نمط سريع احيانا حتى لا يسقط الطفل في دائرة الملل، انغام ابدع في صياغتها عادل بوعلاق لتكون الاحداث قريبة الى الطفل وتكون الالحان سهلة وممتعة، تنتشي معها الاذن وتلتحم مع حركات الشخصيات.

وإدخال الموسيقى والغناء في العملية المسرحية له هدفان الاول هو تحقيق شروط وإضفاء طابع الحركة والحيوية والبهجة على العرض المسرحي والثاني تحقيق شروط الاتصال الجمالي مع الطفل كما يقول سالم سليمان عن اهمية الموسيقى مسرح الطفل.

والموسيقى التي صاغها عادل بوعلاق للبجعات كانت هادئة حينا ومتسارعة نوتاتها احيانا اخرى حسب الاحداث، فالعمل مغنى بلغة عربية بسيطة والحان تشد انتباه الطفل، الموسيقى جزء مع العمل السينوغرافي وهي جزء من توزيع المناظر في العرض وبالموسيقى نقلوا الاحداث وحملوا الاطفال إلى عالم سحري عالم بعضه غامض فالطفل يقبل على التشويق وجزء منه واضحا، لتكون الموسيقى جزءا أساسيا في صياغة عملية ابداعية تبهر اذن المتفرج الصغير وتوصل مجموعة من الرسائل منها أننا بشر وهناك خير وشر حولنا والقوة والصدق هما اللتان يصنعان المواطن الصادق، بالموسيقى يدافعون عن قيم الانسانية ذلك المفهوم الشامل الذي بنيت عليه فكرة مسرح الطفل فهو مسرح انساني بامتياز.

الديكور المبهر لتبسيط احداث الحكاية
اعمدة تبدو كأنها رخامية حقيقية موزعة على كامل الركح بياضها الناصع مبهر، كرسي العرش يتوسط المكان، ففضاء الاحداث قصر ملك ما، تحيط به ملكته واميرته واميريه، ملك عادل يحبه شعبه ويقبل عليه، الازياء تحمل الاطفال الى عوالم القصص والحكايات التيجان تلمع براقة، الملابس الملكية مميزة، في صناعة الملابس تبدو التفاصيل واضحة وجلية تشد انتباه الطفل وتقترب الى الحقيقة ملابس ابدع في حياكتها وتنفيذها المبدع عبد السلام الجمل والفنانة مامية بن يحى.

يتغير الديكور كلما تقلص الضوء وكلما تغير فضاء الحكاية ليحمل الطفل الى عوالم الجن وعالم ضبابي تكون الاضواء فيه مختلفة ويتغير الديكور ايضا ليعيش الطفل لحظات تشويق في حديث الساحرة مع جني البحر والجو، لتغطى تلك الاعمدة الرخامية وتصبح في شكل شجرة في مشهد ذهاب الأميرة الى الريف ويغطى كرسي التاج ليصبح كما الحجارة الكبيرة، الديكور يتغير حسب المشهد والحكاية، الديكور الذي يقترب الى الحقيقة كثيرا يضيف مصداقية على العمل.

بالاضافة الى الازياء والديكور تكون العرائس من مقومات المسرحية الاساسية، عرائس من صنع الفنانة جيهان اللجمي، عرائس تبعث الى الطفل رسائل مشفرة عن ماهية الشخصية فالشخصيات الطيبة تكون ذات ملامح مميزة وهادئة اما الشخصيات الشريرة فميزتها اللون الاسود مع قليل من الاحمر ومجرد النظر اليها يؤكد للطفل أنها شريرة مثل الساحرة والجنيات، وخلف العرائس محركون مميزون أبدعوا في تحريك العروسة واتقان الحركة والخطوة لاقناع الطفل بصدق العمل وصدقهم في الاداء فليس من السهل اقناع الطفل والوصول الى مخيلته الخصبة خاصة وان مسرح الطفل يساهم في بلورة فكر الطفل واتجاهاته في الحياة ويخلف في نفسه درجة كبيرة وحساسة من الذوق الابداعي لتذوّق وتحسّس ماهو جميل ومناسب» كما كتب عن اهمية السينوغرافيا في مسرح الطفل، السينوغرافيا التي تماهت جمالياتها مع محركين مميزين لتقديم عرض يمتع عين الطفل وعقله ويشبع روحه بتفاصيل الجمال.

• الجذاذة الفنية للمسرحية
- مسرحية البجعات الوحشيــة لحسان السلامي انتاج المركز الوطني لفن العرائس 2019 - اللّغة: العربيـة الفصحى - الجمهــور المستهدف: الطفل والعائلة. - نوعيـــة العمل: عرائسيــة - شكـل العمــل: مغنـاة عرائسيـــة - نص: حافظ بن ضيف الله - إخـراج وسينوغرافيا: حسّـان السّلامـي - تصميم وإنجاز العرائس: جيهان اللّجمي - موسيقى: عادل بوعلاق - إدارة الإنتــاج: هاجر الزحزاح الذوادي - توضيب عام: أيمن بن يوسف - توضيب الركح: الإميم رحالي - تنفيــــذ الديكور: محمد نويـر - ورشة المركز الوطني لفنّ العرائس - تصميم الملابــــس: عبد السلام الجمل ومامية بن يحي - تنفيـذ الملابــس: مامية بن يحي وعبد السلام الجمل - إضــاءة: معز العبيدي - كتابـــة الإنــتــاج: مفيدة بن عمـر - توثيـــق سمعي بصري: خالد الشيــــخ - أداء وتحــريـك: نهاد التواتي وفاطمــة الزهراء المرواني وعبد السلام الجمل وهيثـم ونّاسي وفـــارس العفيف وسامح مسعودي وصـابر ساسي وبدر الجندوبي والإميّـــم الرحالــي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115