وادي الفنون في جبل تيوشة وسمامة: حين يفتك الأطفال بالفن مسالك الارهابيين

هنا يزرعون الحب وينثرون الأمل يوزعون صكوك الحياة والأمل على أطفال يحلمون بالأفضل، أطفال الريف أولئك الذين ظلمتهم

الجغرافيا بقسوة الجبال فكان الفن مآلهم وملاذهم ليفتتوا تلك القسوة ويحولونها إلى إبداع، هنا قرى متناثرة حذو الجبال التي يهابها سكان المركز جبال الشعانبي وسمّامة وتيوشة وصولا الى جبل المغيلة الجبال التي استوطنها الارهاب ويحاول الفنانون استرجاعها ومعها نشر الابتسامة وزرع الحلم عند اطفال الجبل من خلال ابناء جمعية احلام الطفولة.

هنا يكون الفن مطية حقيقية للدفاع عن الحق في الحياة من خلال تظاهرة «وادي الفنون» التي بلغت من العمر ثلاثة اعوام من الابداع والجمال والدفاع عن حق اطفال الريف في ثقافة القرب، وادي الفنون التي انطلقت من وادي المساهل رست في مشرق الشمس وبنت ركحا لاطفال الجهة، لتكون التظاهرة التي انطلقت بدعم من «لا احد» مركز اهتمام للمجلس البلدي ومندوبية المرأة والطفولة والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية وبلدية الشرايع مشرق الشمس و»السيراب»

واد الفنون: الواد «حمل» بالفن والإبداع
منازل مترامية هنا وهناك، أينما وليت نظرك شاهدت الجبال الشامخة ترحب بالزوار وتخبرهم ان جبال القصرين -وان استوطنها الارهابيون- سيطردون منها يوما ،ويعود «الحمام» إلى كاف الحمام في سمّامة وتعود الحياة إلى الشعانبي وستخضرّ أشجار تيوشة ذات يوم وهذا هدف انجاز تظاهرات ثقافية موجهة لأطفال الجبل أولئك الذين تمسك آباؤهم بالأرض القاسية ليكونوا حصن الدفاع الأول عن الوطن، منذ مغادرة السيارة لمدينة سبيطلة والاتجاه يمينا في طريق «سبيبة» وصولا إلى مشرق الشمس مرورا بكل القرى المترامية جانبي الطريق لن تشاهد الاّ الجبال التي تحيط بالمكان تراها جد قريبة وتكاد عيناك تخترق اشجارها.

أودية كثيرة تربط بين الجبال، المنازل المترامية على حافة الوديان او حذو الجبل هي الشاهد الأول على تعلق السكان بجبلهم، هنا في ارياف وقرى معتمدية سبيطلـــة المدرسة هي الفضاء الأول والوحيد للطفل ولأنهم محرومون من النوادي والأنشطـــة الثقافية اختارت جمعية أحـــلام الطفولة أن تكون صوتا لافكارهم ولابداعاتهم في وادي الفنون.

«الواد حمل» كلمة تسمعها دوما في كل المناطق المحاذية للاودية، الواد حمل بالماء وحمل بالأتربة هكذا تعوّد سكان «مشرق الشمس» و«وادي المساهل» لكن في الأعوام الثلاثة الأخيرة أصبح الواد يحمل بالفن، يحمل بالرسم بالغرافيتي وبأحلام أطفالهم التي يرسمونها على حافتي الواد في إطار برنامج «وادي الفنون» التي تندرج تحت شعار البرنامج الوطني «مدن الفنون» واختيار كلمة «الواد» مقصود لانّ البرنامج موجه لأطفال يقطنون قرب الوديان أولا ولانّ هذه الوديان كانت ملجأ ومسلك الظلاميين والارهابيين في تنقلهم بين سمّامة وتيّوشة وفي إطار فكرة محاربة الارهاب استعاد المواطنون واديهم ولوّنوه بتلوينات الحياة وعوض التستر والمشي خلسة في الظلام كما يفعل الارهابيون، أشرقت ضحكة الأطفال وإبداعاتهم الفنية على حافتي الواد مستعينين بما يقدمه الجبل لإنتاج أفضل الاعمال اليدوية.

من الوادي إلى الركح: نقاوم بالفن
وادي الفنون تظاهرة بلغت من العمر ثلاثة أعوام، انطلقت في وادي المساهل الرابط بين سمامة وتيوشة، ثمّ دورة ثانية في مشرق الشمس العبيدات ودورة ثالثة في المكان ذاته كانت حصيلتها وحدة الأطفال والمنشطين ولحمة ساهمت في بناء ركح اسمنتي جهز بالإضاءة وزين بإكليل الجبل ونباتاته، في مشرق الشمس العبيدات أنجزت جمعية أحلام الطفولة ما عجزت عنه الدولة، بنت ركحا ليكون فضاء لإبداعات الأطفال طيلة العام، «حاولنا تجهيزه بالضوء ليكون فضاء للقاء ليلا وانجاز العروض عوض الاكتفاء بالعروض النهارية، هي محاولة للتأسيس ليكون لسكان القرية وأطفالها فضاء يلتقون فيه ويمارسون نشاطا مسرحيا أو موسيقي حسب الورشات التي سنقدمها طيلة العام» حسب تعبير محمد الهادي المحمودي للمغرب.

ويضيف محدثنا أن تظاهرة وادي الفنون ذات رمزية للمقاومة فالوادي هنا كان مسلك الإرهابيين واليوم أردناه فضاء لإبداعات أطفال القرى المتاخمة لجبلي «سمّامة» و»تيّوشة» فهنا مبدعون صغار تسكنهم رغبة في الحياة ومن واجبنا أن نساهم في تكوينهم فنيا ليتمتعوا بشخصية قوية ونفك عنهم العزلة التي وضعتهم فيها الجغرافيا وفكرة «القصرين منطقة حمراء» ووحده الفن قادر على فك هذه العزلة هكذا هي فكرتنا التي انطلقت في الوادي ثمّ كانت فكرة بناء الرّكح ليكون الشاهد دوما على إبداع وأحلام هؤلاء الأطفال ، وأثناء البناء أصبحنا جميعنا «متساكنين ومنشطين مرمجية» وشيدنا الرّكح بأنفسنا لنضمن استمرارية التظاهرة ونموّ الحلم في أطفالنا وأكد محدثنا أنهم لن يقتصروا على بناء الرّكح بل لازال الحلم اكبر وسيسعون لتشييد المدارج وهكذا يكون لأبناء مشرق الشمس مسرح بنوه بسواعدهم وآمالهم التي لا تعرف اليأس وقد تبرع السيد الحسين المحمودي بالارض التي شيّد فوقها الركح ايمانا منه بأنّ لجبلهم ولسكانه الحق في الابداع.

لأطفال الريف حقهم في الثقافة
رقص وغناء، موسيقى ومسرح وبراعات يدوية، افكار تكتب على الجدران واخرى تقدم على الركح، هكذا كانت فعاليات الدورة الثالثة لتظاهرة وادي الفنون التي احتضنت إبداعات الاطفال من خلال الورشات المقدمة لهم طيلة المهرجان مع عروض تنشيطية ساهم فيها الممثل خالد بوزيد وعرض موسيقي لمجموعة ميعاد التي تضم ثلة من الحالمين بالموسيقى البديلة في القصرين وعرض الجبال تغني لرعاة سمّامة مع عرض سينمائي لفيلم «بصقوق» للمخرج الجزائري هشام الطرودي.

الدورة الثالثة كانت اكثر تنوعا من حيث البرمجة والأطراف المشاركة اذ حضر فنانون من الجزائر وبلجيكيا والبرازيل ومصر فنانون اثّثوا ورشات للأطفال وقدموا أفكارهم على الرّكح وعادوا إلى بلدانهم متيقنين أن جبال القصرين ليست منطقة حمراء بل مخزنا للإبداع والفنون.

اكثر من 1000طفل هو عدد الأطفال المستفيدين من الورشات المنجزة في التظاهرة وبعضها يكون طيلة العام في اطار الدفاع عن حق اطفال الريف في الثقافة والعمل على ثقافة القرب وفك العزلة عن أطفال ظلمتهم الجغرافيا فانصفهم الفن، وكانت التظاهرة في دوراتها الثلاث فرصة لاعطاء اطفال الريف وسيلة للتعبير عن شواغلهم والاحاطة بهم فنيا حتى لا تتم دمغجتهم «فالطفل إذا لم نستثمر فكره ايجابيا ربما تتم دمغجته وجلبه سلبيا» كما يقول المحمودي.

وادي الفنون تظاهرة او مشروع فني موجه لاطفال الريف، مشروع اساسه التكوين والورشات هو فكرة متمردة ضدّ النمطي والسائد وتجربة جريئة لارساء بديل ثقافي ينطلق من اطفال الريف، الى اطفال يقطنون في المناطق المتاخمة للجبال يحمل المنشطون «زادهم وزوادهم» ليعلموا الاطفال ابجديات المقاومة بالفن، اطفال الريف الذين حرمتهم الجغرافيا من دور ثقافة ونوادي اطفال ذهبت اليهم جمعية احلام الطفولة لتكون صوتا لأفكارهم وتضعهم في مسار فني مختلف، الجمعية تضمّ ثلة من اساتذة التنشيط وجميعهم يشتركون في فكرة ارساء لامركزية ثقافية في قرى سبيطلة ويدافعون عن حق اطفال سمامة وتيوشة في الفن والحياة هؤلاء الحالمون نذكر منهم محمد الهادي المحمودي المتحصل على وسام الجمهورية والمبدع حيدر القاسمي و عماد الشهبي ومنذر هرهوري وزياد علوي ومروى تيبة وحسام محمودي واحمد بوعلاق ويحى مجدوب وفوزي عمار واسماعيل بن احمد وطارق نصيبي وفيصل كرعاني واغلبهم اساتذة تنشيط في وزارة الشباب والطفولة وهم قبس الامل لاطفال الجبال رغم ان «الطريق الى صغار الجبل طويل طويل ...سنقطعه معا الى اخره فما عدنا نخسر غير الغبار» كما يقول محمد الهادي المحمودي رئيس جمعية احلام الطفولة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115