مسرحية قمرة دم لمعز مرابط في اختتام مهرجان البحر الابيض المتوسط بالكراكة: نحتـاج ثـورة حقيقية لا افتراضية

بياض وسواد، امل والم، خوف وفرحة، هزيمة وقوة، وجع وسخرية، ضحك وبكاء ولادة فموت، اجهاض وولادة متناقضات

ومترادفات عديدة قدمتها قمرة دم على ركح الكراكة بحلق الوادي في اختتام المهرجان، متناقضات تنطلق من افكار الجمهور وتعبر عنها فالمسرح فعل نقدي ينطلق من الواقع ينقده وحلله ويعيد تشكيله كذلك كانت قمرة دم.
هي مسرحية للمخرج معز مرابط ونص لبسمة العشي واداء كل من بسمة العشي و مريم الصياح والمسرحية من انتاج فضاء الحمراء، مسرحية ناقدة تطرح اسئلة عن الثورة والديمقراطية وشعارات رددت واحلام كتبت ولم تحقق بعد..

المسرح رمزية
ضوء ازرق يتوسط الركح ويقسمه إلى نصفين، وللازرق رمزية القسوة وفي الزاوية يكون الضوء الاصفر الخافت الذي يشبه صفرة الخريف هو المسيطر على المكان، الموسيقى الصاخبة كانها وجيعة الولادة، اصوات مضطربة لا تستطيع تمييزها هي غوغاء الالم والوجع الذي تعيشه المرأة لحظة الولادة، الضوء يتوسط الركح ويركز على شرنقة تتفتح لتنزل منها دمى صغيرة الحجم حمراء اللون وللاحمر هنا رمزية الحياة لانه دم لحظات الولادة الاولى والموت ايضا لانه اصبح يسطير على كامل الاجساد، فالعمل اذن يحمل المتفرج الى الوجع الذي يسبق الولادة وجع التونسيين قبل الثورة ثمّ الصخب الذي صاحب فترة الثورة وولادة الاف الشعارات والاحلام التي اعتقد فيها التونسي لتموت تدريجيا كما الدمى المرمية على الركح.

منذ الاسم مال المخرج الى اعتماد الرمزية في العمل، اسم المسرحية «قمرة دم» وهي كلمة مكونة من مترادفتين متناقضتين، الاولى «قمرة» ومعناه النور والضياء والصفاء والحب، و الثانية «الدم» اي الاحمر القاني لون الموت والوجع والجريمة والعنف، وكان المخرج يحمل المشاهد الى لحظات الضياء والحلم التي عاشها التونسي ابان الثورة ثم خفت ذلك الضياء تدريجيا مع انتشار الفساد وعودة الظلم ومحاولة خنق الحريات، للاسم ايضا رمزية الخسوف الكلي حين يصبح القمر احمر تلك الظاهرة النادرة الحدوث وكانه يتساءل هل ثورة التونسيين ظاهرة نادرة ستتكرر مرة بعد اعوام؟.

في الرمزية أيضا تكون السينوغرافيا حاملا للعديد من الأسئلة، تلك الأضواء المقلقة للبصر هي سؤال عن حال تونس وما الذي وصلت اليه بعد الثورة؟ الأصوات القوية والموسيقى الصاخبة تسائل أصحاب الشعارات عن شعاراتهم وهتافاتهم، تسالهم عن أحلامهم التي خرجوا بها إلى الشارع ما الذي تحقّق منها؟.

المسرح ترميز وشيفرات تترك للمتفرج حرية التخيل والتحليل وفي «قمرة دم» هناك الكثير من الرموز التي لو جمعها المتفرج وحللها لتوصل الى انهم يسائلون التونسيين عن ثورتهم المسلوبة، عن احلامهم المجهضة ورؤاهم المقتولة عن شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة ، عن دماء الشهداء التي سالت على الارض وروت تراب تونس، عن الحلم وكيفية تحقيق مسار ديمقراطي ينطلق من الشعب ويعود اليه؟ اسئلة عديدة تولد جميلة كتلك الدمى المرمية على الركح جميلة ثمّ تموت كما وضعت الدمى في الكفن الأبيض وكاننا بالمخرج يقول اننا بين كفتي الظلام والضوء وحان وقت الاختيار، الذي جسد من خلال مشهد اختيار الشخصية لطريقة موتها.

كلنا نقاوم وجميعنا مناضلون افتراضيا
تتواصل الموسيقى الصاخبة ويصاحبها صراخ امراتين ترددان شعارات للحياة والمقاومة، مكان الاحداث امكنة، واقع ومتخيل، الواقع منزل مهجور كان مقرا للامهات العازبات ثم اصبح زاوية ثم وكرا للاسلحة ثم للخنافس الملونة قبل ان يغلق بالقوة العامة، في هذا المكان المهجور تلتقي زينب وعلياء وكلتاهما من شخص ما وتختبئان هناك بحثا عن حقيقة مقتل قدوتهما هادية، اما المتخيل فهو ساحة للثورة مكان عام تجتمع فيه كل ألوان وأطياف المجتمع لتثور ضد الظلم.

كلتاهما تهرب من شيء ما، او شخص ما، كلتاهما تدّعي أنها امرأة قوية والمجتمع لا يحب القويات، كل منهما تدّعي أنها صديقة هادية ورفيقتها وحافظة شعرها، ومع تصاعد الأحداث يتضح أنهما مجرد واهمتين كلتاهما ترى انها تقاوم كل منهما تعيش في عالم افتراضي.
المتتبع لأحداث العمل ومن خلال كلمات الشخصيتين يكتشف النقد الموجه للمواطن التونسي ذلك الذي يقاوم يوميا ويناضل حينيا من خلال «بوستات» الفايسبوك ، ففي العالم الافتراضي وخلف الحواسيب والهواتف جميعنا مناضلون، كلنا نكتب للحرية وننقد الديكتاتورية، جميعنا نتشارك «هاشتاغ» الحرية فقط خلف الحواسيب، شعارات ونضالات أبهرت العالم ولكن يوم «قصت الكونكسيون عالبلاد، نساونا ، لا حد تذكرنا، حتى لين اندثرنا» كما جاء في نص المسرحية التي تنقد نضالاتنا الالكترونية الافتراضية وجبننا عن النزول إلى الشارع للمقاومة الحقيقية، حتى أصبح النزول إلى الشارع فرصة لالتقاط الصور (لحظة نلبس روبة الثورة ونحط قلم حمير» تلك الصور التي ستكون مطية لنضال افتراضي نصنع معه عدوا نحاربه وننتصر عليه.

على الركح وتحت زخات المطر قدمت الممثلتان اداءا مميزا، طاقة عجيبة تسكنهما تتشاركان مع الجمهور الحاضر، هادئتان تقومان بالدور على أحسن وجه، الغضب والوجع والفرحة جميعها أحاسيس ينقلانها للمتفرج دون الحاجة الى الصراخ او فوضى الكلمات، الأجساد تتقمص الشخصية وتحيك تفاصيلها بكل دقة وحرفية، لتجدك أمام ممثلتين مبدعتين تحملانك الى عوالم النص دون غوغاء الصراخ.

تكريم المسرحيين بادرة محترمة
هم الذين يروون الخشبة بعرقهم ويكتبون لنا اجمل المشاهد، يصرخون ويبكون يصاحبون المتفرج الى عوالم نقدية مختلفة ويكتبون فرجة مميزة، يضحكونه واحيانا يدعونه الى البكاء والسؤال، متجددون دوما، لكل شخصية لبوس ولكل شخصية حال وطريقة أداء مختلفة واعترافا بدورهم الفعال في المشهد الابداعي قام مهرجان حلق الوادي في حفله الاختتامي بتكريم ثلة من المسرحيين التونسيين تكريم هو اعتراف بأهميتهم وبصدقهم على الركح ودورهم في إرساء فعل مسرحي نقدي ممتع فهل يعيد للكراكة بريقه المسرحي؟ هل يعود الحضور المسرحي كبيرا من حيث عدد المسرحيات المقدمة في المهرجان؟.

يحضر للمسؤول فقط للحصول على باقة الورد وتكريمه
في اختتام مهرجان الكراكة بحلق الوادي تم تكريم مندوب الشؤون الثقافية بتونس وتكريم رئيسة بلدية حلق الوادي، مع الاشارة الى انهما تحصلا على شهائد التكريم وباقات الورود ومازال المهرجان ينتظر ان تصل منحة الدعم الى خزينة المهرجان، والملفت هو كلمة رئيسة البلدية التي قالت «سي الحبيب مسكين، لطخ راسو وانجز مهرجان» لتضيف «في حلق الواد مازالت حافلة وهناك مهرجان آخر»، رئيسة البلدية تدعو الجمهور إلى مهرجان آخر عوض ان تطمئن هيئة مهرجان الكراكة عن منحة الدعم وتخبرهم عن وقت وصولها الى جمعية المهرجان.

هل يرمم المعلم الداخلي ويكون فضاء للمهرجان
اثناء تقديم حفل الاختتام اشار المؤرخ عبد الستار عمامو الى ذكريات طفولته ونوه بجمالية المعلم من الداخل مؤكدا انه يحلم لو يتم ترميم الكراكة من الداخل لتكون فضاء للعروض لجمالية المكان وسحره، فهل ستتحقق هذه الامنية ويكرم المعلم ويفتح ابوابه لمحبي الفن؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115