اختتام «سيني فوايي» في المركب الثقافي بئر الحفي - سيدي بوزيد: هنا يحلم الأطفال وتغيب الدولة ...

يحوّلون اليأس إلى أمل، يصنعون وجوده من العدم يعيدون رسكلة الوجع ليصنعوا منه نورا يشع في قلوبهم يضيئها ليقاوموا

عتمة الحياة وقسوة الجغرافيا وظلم التاريخ، فهنا في ولاية منسية تعاني من جفاف ثقافي يحاول بعض الحالمين تغيير المشهد الجافي وراوية بماء الابداع والفن ليزهر في قلوب الاطفال ويينع فنا وسينما وعوض الالم يسكنهم الامل .
هنا تلاميذ عشقوا الحياة وحولوا افكارهم الى افلام ممتعة تعبر عنهم بعد عام من النشاط قدموا ثمانية افلام للجمهور، هنا نوادي السينما في المبيتات تختتم نشاطها وتشرف جمعية الحراك الثقافي على الفعل الابداعي لتقدم ابداعات التلاميذ في مجال السينما.

الطريق طويلة والحرمان اكبر
الى الهناك ستكون رحلتنا لاكتشاف مواهب سينمائية يشرف عليها اطفال مبدعون الى الهناك سنذهب لنشاهد ابداعاتهم ونلامس افكارهم وتوقهم الى الحياة عبر السينما، حرارة الطقس لا تغري بالتنقل لكن مجرد التفكير في ما سيقدمه الاطفال وتلك التجربة الممتعة يستحق المغامرة، العاصمة فالطريق السيارة تونس مساكن، ثمّ النفيضة فكندار والبشاشمة والمتبسطة هنا على جانبي الطريق نسوة احترفن بيع الخبزة، ثم مفترق «الكسكاس» فسيدي عمر بوحجلة ثم نصر الله، من هنا انطلق بؤس الجغرافيا على جانبي الطريق الارض مصفرة بقايا نباتات برية قاومت حرارة الطقس ثم يئست، اذا كانت الطبيعة بهذه القسوة فكيف بالبشر؟، تتواصل الرحلة الى رقادة فالجمال ثمّ الفايض الذي اصبحت طريقه سوقا «للتين الشوكي»، فسيدي بوزيد، المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة، هنا شعارات الكرامة تلمحها على جميع الحيطان لكن الحرارة المرتفعة تدفع الجميع للاختباء قليلا.

الرحلة الى الرقاب لازالت لم تنته بعد فلازال 37 كيلومترا اخرى ووجب تغيير وسيلة النقل من «اللواج» الى «النقل الريفي» وتلك وتيرة حياتهم اليومية، في الطريق الجبل الأجرد يلخص قسوة الجغرافيا وهذه القسوة حولها ابناء الجهة الى ابداع سينمائي، من الرقاب الى بئر الحفي و50كيلومترا اخرى، رحلة شاقة خاضها الاطفال ليشاهدوا الافلام ويقدموا للجمهور الحاضر تجربتهم مع نوادي السينما وينقلوا الى الجميع حبّهم للفن وقدرتهم على الخلق والتميز، مشهد فسيفسائي مبهر لابناء الداخل صورة جد مميزة لابناء ارياف سيدي بوزيد الذين صنعوا أفلاما تعبر عنهم وتنطلق منهم ومن حرمانهم، الرحلة الطويلة كشفت مدى الحرمان الثقافي الذي يعانيه اطفال الارياف في هذا الوطن.

المبيت يصبح فضاء للأمل
تجربة جديدة ومختلفة، تجربة ثقافية سينمائية توجه الى التلاميذ «البياتة» اولئك الذين يقضون كامل الاسبوع بين قاعات الدراسة وقاعة المراجعة والمبيت، اولئك الذين يعودون الى منازلهم اخر الاسبوع ليعودوا من جديد الى حياتهم الدراسية، فاللميت عوالمه وتفاصيله، تجربة جدّ شاقة وصعبة للتلميذ لأنه يبتعد عن حضن العائلة طيلة الاسبوع ولأنهم مواطنون تونسيون ولهم الحق في الثقافة اختارت الجمعية التونسية للحراك الثقافي التوجه الى تلاميذ المبيتات لتقديم فعل سينمائي مقاوم وإرساء نوادي سينمائية تكون صوت التلاميذ منهم تنطلق الفكرة واليهم تعود، اشهر من العروض والنقاشات كانت نتيجتها 12 نادي سينما قار وثمانية افلام انجزها التلاميذ والإطار التربوي لتكون النوادي المنجزة وسيلة للتعريف بمعتمديات سيدي بوزيد وأداة لتقديم مشاكلهم وأحلامهم التي كتبوها في سيناريو صوّر وأصبح فيلما انطلق منهم ومن وجعهم « قبل كنا نقلقوا، لا وجود لنشاط نمارسه لكن نادي السينما والتجربة علمتنا الكثير وبعثت فينا حب السينما وعلمتنا المغامرة» كما تقول التلميذة سندس فالحي.

نوادي السينما في المبيتات وتجربة سيني فوايي كانت جد ممتعة للتلاميذ الذين باتوا فاعلين في المشهد الابداعي بمبيتاتهم هي فرصة ايضا لاكتشاف مواهب طمرتها السياسة الثقافية الخاطئة للدولة التونسية مواهب في كل الفنون ذنبها ان الجغرافيا اوجدتها في مدن وأرياف بعيدة عن المركز، «سينما فوايي» تجربة للكشف عن قدرة الاطار التربوي على الابداع من خلال تشجيع التلاميذ على الانخراط في نادي السينما وحضور الورشات والتعلم ايضا فالإطار التربوي جزء مهم من السلسلة الابداعية في سيدي بوزيد.

الاطفال صنّاع السينما والإبداع
صبيحة يوم صيفي انطلاقا من الساعة السادسة والنصف صباحا اجتمع الاطفال امام النادي الثقافي مانديلا للانطلاق الى المركب الثقافي عبد القادر بلحاج نصر في بئر الحفي، الرحلة تكون من الرقاب فالسعيدة وبير الشارف ثم بوزيد فبئر الحفي لأنها المعتمدية الوحيدة التي تحتوي على قاعة عرض محترمة يمكن ان تعرض فيها افلام سنيمائية والبنية التحتية ونقصها من مشاكل المشهد الثقافي في ولاية سيدي بوزيد.

هنا بئر الحفي تحديدا المركب الثقافي الاطفال توافدوا منذ الصباح والجمهور جاء لاكتشاف مواهب الصغار السينمائية، في الحفل الختامي تمّ عرض حصيلة عام من العمل، عام من الورشات والنشاط والعروض ثم تاسيس نواد للسينما التي تولت انجاز افلام اثثها الاطفال بعد ورشات تدريبية اشرف عليها الثنائي سالمة الهبي وماهر مطير والجمعية التونسية للحراك الثقافي، عام من العمل والاجتهاد اختتم في حفل اثثه الاطفال المبدعون الذين صنعوا التميز من حبّهم للفن وللحياة وكان الانطلاق بصوت الرائعة والذكية اسيل الزريبي من مدرسة بير الشارف التي غنت «اعطونا الطفولة» طفلة تتقد حيوية وتميزا امتعت الكل بصوتها وحضورها.

في الحفل الختامي كان الموعد مع خمسة افلام تمّ انجازها في نوادي سينما المعهد الثانوي الطاهر الحداد الرقاب واعدادية السعيدة (من جملة 10نوادي في المؤسسات التربوية لكن كل عام يتم التركيز على عمل ناد او اثنين لان الجمعية غير قادرة على الاشعاع على كل النوادي حسب تعبير رياض العبيدي المنسق العام لسيني فوايي).
افلام تعبر عنهم ومنهم، الافلام اغلبها ذات هاجس اجتماعي ففيلمي «علي باندي» اخراج منتصر ميساوي وفيلم «فتات البلاستيك» اخراج سندس فالحي تناولا مشكل اطفال الشوارع والتشرّد، بالسينما عبروا عن معاناة تلك الشريحة من المجتمع، فيلمين موجعين نقلا وجيعة التشرد وغياب العائلة لكن لكل منهما نهاية تقدم رسالة امل فالأولى انتهت بمسك الشخصية الرئيسية للعبة وذلك ما يستحقه الطفل «اللعب» وكأنهم يطالبون السلط الجهوية بتوفير فضاء ليلعب فيه الاطفال، والثاني ينتهي بحلم تشكيل عائلة وان كانت من البلاستيك فتاة البلاستيك تلك التي تقتات من الفتات تحلم ايضا.

في فيلم «قطرة» اخراج نجاح جلالي فيلم رعب سلطوا الضوء بطريقة غير مباشرة على معاناة فتيات المبيت ومشاكلهنّ حين ينقطع الماء عن المبيت ومشكلة «البيدون» والماء بالتقسيط، كما قدموا صورة عن البنية المهترئة في المؤسسات التربوية خاصة المبيت فيلم اجتماعي لا ينقل هموم فتيات معهد الطاهر الحداد وانّما هو ثقل يعانيه كل من يقيم في المبيت.

نادي السعيدة خاض تجربة الفيلم التحريكي، عبر صناعة شخصيات من الصلصال تكون ابطال الفيلم، فيلم عن المدرسة والدراسة، كما انهم قدموا فيلم بورتريه بعنوان «السعادة على عجلة» يوثق لمدينتهم، فيلم ينقل البؤس التي تعيشه المدينة لكنه يقدم جانب من الامل حين تتغير زاوية النظر .
الافلام التي قدّمت صورها التلاميذ ومثلوا فيها، ال3000تلميذ الذين تمتعوا بمشاهدة مجموعة من الافلام السينمائية جزء منهم اصبح جزءا من حلقة الابداع وطيلة العام وبعد ورشات تدريبية اصبح هناك ثلة من البدعين على غرار منتصر ميساوي وعادل ميساوي ومنار الخضراوي ومنيار خضراوي وسوار حاجي وهناء طقطوقي ورحاب فالحي ومحمد قادري وهدى حاجي واخرين باتوا اليوم لبنة اساسية في الابداع في مدنهم وقراهم وأريافهم في ولاية سيدي بوزيد.

غابت الدولة وحضر المجتمع المدني
الرّقاب، بير الشارف، القوادرية، المزونة، السعيدة وبئر الحفي وغيرها من المناطق المحرومة من الثقافة اليها توجهت اهتمامات المجتمع المدني لبناء مشهد ثقافي وإرساء مفهوم لامركزية الثقافة، هنا في هذه الربوع جد البعيدة عن المركز يحرم الاطفال من الثقافة الحق والابداع الحقيقي بسبب غياب السياسات الثقافية واليهم توجهت جمعية الحراك الثقافي بالشراكة مع مندوبية الثقافة والتربية لإرساء مشهد بديل لتعليمهم ابجديات الفرجة والسينما لبناء جيل يؤمن بالثقافة له القدرة على التحدي وصناعة ذاته وتجاوز بؤس المجموعة وقسوة الجغرافيا بالفنون.

متى يتعلم المسؤول احترام الوقت
بعد ساعة من التاخير والانتظار حل موكب السيد مندوب التربية الى قاعة المركب الثقافي لإلقاء كلمته الترحيبية، كلمة قال فيها انه يدعم المبادرات الثقافية وتوجه الى الصحفيين بالقول «الي يشوف اخطاءنا يحذرنا وينبهنا من غير ما يشهر بينا»، السيد المسؤول بعد القاء كلمته وانطلاق الحفل شاهد فيلمين لم يتجاوزا الربع ساعة فضجر وطلب تكريمه قبل المغادرة فمتى يتعلم المسؤولون اصحاب السيادة احترام الوقت في وطني؟ ومتى يعرف المسؤول انه الوجه الاول للجهة واذا كان المسؤول التربوي الاول لا يهتم بإبداعات التلاميذ فكيف بالبقية؟.

فتحي القادري قيم عام اعدادية السعيدة
السينما كانت متنفس التلاميذ
فتحي القادري من الاطار التربوي الناجح والفاعل ضمن الحراك الثقافي وحضر اختتام التظاهرة وفي تصريح للمغرب اكد أنه بعد عام تغير الكثير في الاطفال خاصة في منطقة ريفية نائية مثلت السينما متنفس الاطفال الوحيد وكانت فرصتهم الوحيدة ليحلموا ويعبروا ويكتشفوا طاقتهم الابداعية، مضيفا أن تفاعل الاطفل مع التجربة انضبطوا في حضور الورشات والدورات التدريبية ، كانت لحظة لولادة امل جديد كما تميز ابناء السعيدة وابدعوا في تجربتهم الاولى وهذا ما يبشر بطاقات حية وجديدة وجب فقط دعمها لتتواصل.

وعن الهاجس الاجتماعي في الافلام قال القادري هم نقلوا ما يعيشونه نقلوا واقعهم ومعيشهم عبر السينما، الاطفال هم من يختارون المواضيع ونوجههم فقط في بعض التفاصيل ووالواقع انعكس في تصورهم للبيئة والفيلم.

واكد محدثنا في نادي السينما السعيدة الرغبة موجودة لانه متنفس الجميع وبعد مجموعة من الاختبارات اخترنا 15تلميذ ليكونوا نواة نادي السينما، وفي السعيدة هذه المنطقة الريفية البعيدة يبدع اطفالنا فهم متحصلون على الجائزة الاولى وطنيا في الكوارال والجائزة الثانية جهويا في السينما.
بسمة بدري رئيسة مصلحة العمل الثقافي والعمل مع الجمعيات

نساء بلادي مبدعات
سيدة ملتزمة بعملها ومؤمنة بدورها الجهوي في دفع النشاط الثقافي تؤمن بإبداعات الاطفال ، رغم انها مسؤولة ورئيس مصلحة الا انها حضرت منذ الثامنة الى القاعة لتواكب الاختتام منذ البداية، كما انها شاهدت كل الافلام وانتبهت الى المخرجين الاطفال، هي مسؤولة وامرأة تونسية تستحق مقولة اولاد احمد حين قال نساء بلادي نساء ونصف.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115