«الورشة271»: قاوموا واصنعوا عالمكم فأنتم أسياد المكان

يصنعون من العدم الإبداع هنا يقاومون طيف الموت بالفنون، يعاكسون خبث المرض وألمه بكتابة تباشير الأمل هنا فقط

يحولون «مصب النفايات» الى فضاءات ابداعية ليخبروا الكل ان على ارضهم ما يستحق الحياة، ليصرخوا ان شبح الموت لا يعيق الفكر الابداعي والتلوث لن يزيدهم الا اصرارا على الحياة.

هنا يختزلون الامل ويكتبونه في شكل نوادي للمسرح والموسيقى وكل التلوينات الفنية، هنا على بعد217كيلومتر من العاصمة توجد ورشة صغيرة تهدي الابداع لكل زوارها ورشة للفنون والثقافات تفصلها ايام قليلة على افتتاحها، ورشة تشرف على ادارتها تونسية حرة شابة حالمة هي رانية باني ورشة تبعد 217كلمتر عن المركز وكلّ تلك الكليومترات تحوّل هنا الى ابداع، الورشة هنا قبلة للحالمين فهلّا تفضلت بالزيارة وإكمال القراءة ستحملك الكلمات الى كلّ زوايا الورشة.

الشارع الاكبر يصبح شارعا للفنون
شمس حارقة في يوم صيفي قائظ المدينة خالية من المارة فالحرارة تجبر الكل على الاعتكاف داخل المنازل، هنا مدينة عقارب من ولاية صفاقس، دخان المصانع يصنع فسيفساء لونية تجمع الرمادي والأسود بتدرّجاته في سماء المدينة رائحة كريهة تنتشر في الهواء حدّ طرح السؤال «كيف يعيشون وسط هذا التلوث القاتم والقاتل»، من محطة السيارات «النقل الريفي» بضعة امتار الى مفترق وسط المدينة وميزته تلك الفنارة التي تعرّف بموروث المدينة، الى اليمين ثمّ مسافة 15دقيقة في الشارع الكبير الشارع الذي يضم اغلب مؤسسات الدولة كما انه الشارع الذي تنتصب فيه السوق الأسبوعية بعد مسيرة عشر دقائق وفي الركن سيعترضك رسم غرافيتي كبير يقدم شكلين غريبين يبدو أنهما في صراع، رسما بالأزرق فوق باب «مرحاض عمومي» الشكلان هما الجهل والتلوّث وهذان الكائنان الهلاميان هما العائق الاكبر اما الابداع في مدينة عقارب، الجهل والتلوث رسمهما فنان مبدع اراد ان يعرف بمشاكل مدينته فواجه مصاعب اكبر بعد ان اتّهم برسمه للشياطين.

هنا الشارع الرئيسي في المدينة الشارع الاكبر شارع السوق الاسبوعية ومهرجان عقارب للفروسية والمكان الذي توجد به اغلب الادارات هو ايضا الشارع الذي احتوى اكبر مصب للفضلات قبل اشهر هذا المصب الذي بات اليوم فضاء للفنون وللإبداع، هذا الشارع الصامت بات صاخبا بالفنون فهذا الشارع بات اسمه شارع الثقافة والفنون، ثقافة وفنون حقيقية يلمسها المواطن من خلال عروض الشارع والعروض المسرحية التي تقدم للاطفال في الشارع..

شارع للفنون يرسخ فكرة اللامركزية فعلا لا قولا، شارع الفنون هذا يختلف عن مدن وشوارع فنون وزير الشؤون الثقافية فهنا شارع يقدم مادة فنية وثقافية طيلة الموسم بينما شوارع الوزير تحول اغلبها الى «باركينغ» بعد الافتتاح وكاننا بالمشرفين على الفضاء يريدون تقديم درس في فنّ الابداع ولامركزية الثقافة التي يرددها الوزير اينما حلّ، فالشارع الصامت بات صاخبا وأصبح بالفعل شارع الفن والثقافة.

من «مصبّ النفايات» إلى فضاء للابداع
الوان بهيّة تناديك من بعيد، الحائط الابيض زيّن بأجمل الرسائل اللّونية والرّسومات، جميعها تكتب للحب للحياة وللجمال، الحائط بات لوحة فنية تمتع الزائر، لوحة جميلة للتطور الانساني فنظرية داروين تقول أن أصل الانسان قرد من هذه النظرية انطلقوا للتحول من قرد الى بشر ثمّ فنان فالفن هو الانسان عندهم، لكن قبل الدخول الى الفضاء عليك ان تتقدّم قليلا لتعرف كيف كان هذا الفضاء المبهر وكيف كان الشكل قبل ان تكتب الالوان الياذتها الفنية، بضع خطوات، حاول اخذ نفس عميق قبل خطواتك تلك، املأ رئتيك بهواء شبه نقيّ لك ان تقف قليلا امام هذا المشهد «الموجع» حجارة مرميّة، بقايا تراب، بقايا ركام ، اكياس بلاستيكية وبقايا طعام وحفاضات اطفال وكل ماتجود به نفايات المواطن مشهد سريالي هو اصل الورشة، فقبل ان تتحول الورشة الى بناية مبهرة وفضاء مزدان باجمل الالوان كانت مصب نفايات وتلك رسالة المشرفين على الفضاء اي «نحلم ونبدع ونحول الالم املا ونصنع من الوجيعة سلاحا للمقاومة والثقافة سلاحنا لنصنع عالم اطفالنا عالم يكون ملونا باجمل قصائد الحب واناشيد الوطن» على حدّ تعبير سامي البحري.

فالورشة وهو اسم الفضاء كانت مصبا للنفايات، تمّ كراؤها من بلدية عقارب لتحويلها الى فضاء ثقافي، فضاء سيكون فخر المدينة وفخر لأبنائها الفنانين، فضاء وجب دعمه ليكبر وتزهر فيه الفنون ولم لا تقدمه البلدية مجانا لأهل الثقافة بعد ان بعثت فيه الحياة وعوض استنشاق رائحة القمامة بات بالإمكان استنشاق عبق الفنون وخوض حرب الابداع تلك التي قال عنها مصعب ابن المدينة «وهذه الحرب هي حربك وحدك، لا احد يعلم كيف تمضي وماذا تشعل فيك وكيف تتخطّاها، لا احد».

يا سائلا عن الفنّ الورشة تناديك
الفن رسالة انسانية، الفن مقاومة الفن هنا نحت للحياة من العدم مقاومة للتلوث وللمرض بالمسرح والموسيقى يصنعون تحفتهم الفنية يحاولون تلوين حياة اطفالهم علّهم ينقذونهم من وجع التلوث في تلك المدينة وعلهم يزرعون فيهم تفاصيل المقاومة ليتجاوزوا تهم التكفير والإلحاد التي تلصق بكل من يريد الابداع.

باب حديدي كبير، حوله اشكال ورسومات مبهرة، في الداخل الوان تأسر الزائر، الى يمينك ايها الزائر رسومات لراقص صوفي يفتح يديه ويعانق السماء وفوقها كتب «ارقص وان لم تزل جراحك مفتوحة، ارقص فانت حرّ تماما» وتحتها صورة لامرأة تغني وأمامها كتب على هذه الارض ما يستحق الحياة» ، على هذه الارض كل تلوينات الابداع، اما الى اليسار فصور لنجوم المسرح التونسي من رجاء بن عمار الى عبد الوهاب الجملي وعز الدين قنون، القاعة الكبرى بها طاولات وكراس ملونة تماما كأحلام الأطفال الى اليمين مجددا «قاعة السينما» فرشت بالكليم التونسي بابها احمر اللون ورسم فوقه لقطة من احد افلام شارلي شابلن، اما الى اليمين فباب كبير يفتح على المسرح المجهز بركح كبير، المسرح زين بأجمل الرسومات، رسومات تعبر عن فكرة الوطن والتحدي، افكار رسمها المبدع مأمون العجمي ليعبر عن مدينته عقارب، المسرح يفتح تلقائيا ليصبح مسرحا صيفيا يستقبل اكثر عدد من محبي الحياة هو بصدد التحضير ينقصه «السقف التقني» ليكون كما مسارح المركز يوفر فرجة محترمة لأبناء ورواد الفضاء، فحديقة صغيرة زرعت بالعشب الاصطناعي بعد معاناة طويلة ومداواة التراب من بقايا النفايات.

هذه الورشة271، ورشة الفنون، ورشة للإيداع من مكب للنفايات الى فضاء للإبداع، الورشة ليست الجدران المزدانة بأجمل الرسومات انما قوتها في افكار اصحابها المؤمنين بقدرة الفن على التغيير، الورشة تقدم للأطفال عددا من النوادي والورشات في شكل اكاديمية وهناك مستوى اوّل وثان ، اكاديمية تدرس المسرح والموسيقى والسينما والصورة والرّاب واللغات والفنون البصرية ومسرح الشارع، اكاديمية يباشر فيها كل من شكري البحري ووليد عكاشة ومحمد بن رباح وعبد الرحمان بن تومية ووسيم كرامتي واشرف الجمل جميعهم امنوا انّ الفن سلاحهم ليقاوموا كل رموز الموت ففي الورشة الكل يحلم والكل يقسم انّ الفن باق والوطن خالد.

الغرافيتي: اللون يكتب الافكار
كتبوا مدينتهم في رسومات، نقلوا افكارهم بحركة الفرشاة والخط، ميزة الورشة271 هي الرسومات المبهرة، اعمال تشكيلية تنقل افكار ابناء المدينة، لكل لوحة حكاية ولا وجود للفراغ، منذ الزاوية الخارجية ومن الرسمين اللذين يجسدان التلوث والجهل الى اصغر الرسومات في الداخل، لكل رسمة حكاية، في الخارج رسموا ماتعاني منه المدينة «الجهل والتلوّث» وفوقهما مناطيد وبعض الوان وكأنهم يتركون رسالة مفتوحة للحلم وسط الوجع، فبورتريه للطفلة اسلام التي استطاعت توحيد سكان مدينة عقارب، في الداخل بورتيرهات لفنانين غادرونا تاركين بصمة في المشهد الإبداعي فلوحة اولى للمرأة في عقارب تلك التي تقاوم افكار الرجعية والعادات وتكون كما الحمامة تطير لتصنع حريتها وأفكارها، ففكرة التلوث الذي تعاني منه المدينة ورسموها في شكل عين كبرى وحدقتها عبارة عن المدينة سوداء بسبب التلوث والهواء الملوّث فرسم اخر ليد كأنها تحرك المدينة، وأخرى للانسان الالة وتشريح لجسمي المرأة والرجل لبيان انهما متساويان في التفكير ربما اختلفا جسديا لكن عقل المرأة لا يقل تفكيرا وإبداعا عن عقل الرجل.

الاعمال الغرافيتي التي زينت الحيطان وكتبت افكار ابناء المدينة، رسمت وجيعتهم ونقلت احلامهم أيضا اعمال تبهر جدّ دقيقة تنقل التفاصيل اعمال ورسومات بعضها بالألوان وأخرى بالأبيض والأسود ابدع في انجازها كل من محمد مأمون العجمي وعبد الرحمان بن تومية وكلاهما ابنا مدينة عقارب ومجموعة INUIT جميعهم تقاسموا الفكرة والمبدأ وتركوا اجمل بصمة على جدران الورشة271، اعمال تستحق القراءة والتأويل فهي ليست لمجرد الزينة بل حاملة رسائل نقدية موجهة الى التكفيريين والى المسؤولين الذين تركوا عقارب في مهب التلوث.

اليهم جميعا والى اطفال المدينة رسموا أعمالا مبهرة اعمال تصرخ بالأمل والجمال، اعمال تقول ان علينا ان نحيا ليحيا الوطن «نموت كي يحيا الوطن، يحيا لمن؟ من بعدنا يبقى التراب والعفن فنحن الوطن» كما كتب على احد الرسومات (القولة من مسرحية الرهوط اخراج عماد المي).

يكفّرون بسبب لوحة
هذه اللوحة كانت سببا في تكفير المشرفين على الورشة، اللوحة التشريحية لجسمي الرجل والمرأة رأى فيها التكفيريين انها دعوة الى الفسوق والكفر والسبب رسم صدر المرأة وتفاصيله وكأن جسدها وجب طمسه ومعه طمس فكرها واغماض عينيها لتكون حينها الصورة مميزة عندهم، التكفير واتهام الرسام انه عدو الله سببه هذه اللوحة وامام التهديدات الكثيرة كانت ردة فعل المشرفين مزيدا من الرسومات التي تحتفي بالمرأة وبجسدها الحالم والحر.

في الورشة أصغر رواق
شباك صغير، متر على متر يبدو للمارة انه مجرد شباك لكنه في الحقيقة هو رواق للفن التشكيلي، اصغر رواق على الاطلاق رواق لعمل واحد او لوحة واحدة سيفتتح مع الافتتاح الرسمي للورشة، الرواق مجهز بالضوء والبلور ليكون العرض تقنيا جميلا، واسمه «متر مربع».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115