المحبين والحالمين، الموسيقى صوت الحب داخلنا صوت الحرية والتمرّد والموسيقى عنوان للذاكرة والهوية هي جزء من الروح ومن روحه صنع رامي العرابي موسيقاه وصاغ عرضه «روح».
«روح» عرض موسيقي تونسي الروح، عالمي التوزيع عرض يحتفي بالة الناي ويكرمها لتكون سيدة المقام والفعل الابداعي الموسيقي وفي مدينة الالوان المحرس يكون اللقاء مع الناي مختلفا لقاء يجمع بين الموسيقى والفن التشكيلي في رحاب الالوان.
عشق الناي فابدع في روح
عشق أنين الناي تماهى مع موسيقاه الهلامية، بحث وجدّد، غاص في تفاصيل موسيقى حزينة وممتعة موسيقى يسافر معها ليحلم بموسيقى أخرى ونمط موسيقي جديد يكون سيده وقائد الحلم فيه، في مدينة الألوان المحرس في هذا المتحف المفتوح، خلفه إبداعات الفنانين التشكيليين وأمامه الكورنيش وسفن الصيادين وبينهما لقاءه مع جمهور محبّ لكلّ الفنون، هو رامي العرابي سيد الروح وسيد الناي في عرض روح، العرض الذي يحتفي بالة الناي تلك الآلة الحزينة طوعها العرابي ليكتب بها نوتات موسيقية صاخبة نوتات تبعث الحياة والامل في سامعها.
الناي تلك الالة الهادئة التي تعبر موسيقاها عن الحزن وعن وجع الفقدان والغربة باتت مع رامي العرابي موسيقى راقصة ومبهجة، في عرض روح تتماهى الة الناي مع صديقها الكاخون لكتابة الياذة موسيقية مميزة، عرض تتماهى فيه النغمات اذ تجتمع الموسيقى التونسية مع النغمات الشرقية والاسياوية والافريقية لتقديم مقطوعات موسيقية تعبر عن رغبة رامي العرابي في التجديد وإقباله على البحث، عاشق الناي لم يكتف بمجرد العزف وإنما أصبح الناي بمثابة عصا المايسترو توجه العازفين وتنسق بين الآلات وتكتب متعة موسيقية مميزة يتذوقها كل عاشق للحياة.
موسيقى الرياح تصنع سيمفونية مميزة، ضوء القمر انعكس على الماء مع نوتات الناي الرقيقة ليشكل فسيفساء لونية تصنعها الموسيقى فتجدك عاشقا لما يقدّم ترقص وتنفعل كطفل صغير يعانق الألوان ويشكل منها لوحته الخاصة به كذلك رامي العرابي في تعامله مع آلة الناي، في «روح» تتماهى الروح الإنسانية مع روح المكان وروح الناي وروح الكاخون والآلات الايقاعية و»الكلافيي» فتكون روحا اخرى مختلفة نلمسها ونلامس تلابيب الحلم فيها، ليغني مع الموسيقى اغان يحفظها الجمهور التونسي على غرار «عالباب دارك» و «محبوبي مثلتك شجرة» و«حلمة» جميعها اغان اعاد توزيعها ليصبح الناي سيد اللحن والعرض فيها وتكون الأغنية اكثر رقة وتخترق قلب المستمع وفي المحرس كانت روح الناي الهادئة سيدة الحدث والمشاعر.
الموسيقى الآلاتية تفتك مكانتها
الموسيقى سيدة المكان الموسيقى صوت الاله في قلوبنا صوت الحب وخفقان قلب العاشق صوت ضحكة الطفل ووجيعة المكلوم، الموسيقى صوت الطبيعة وعنوان البهاء فيها، والموسيقى الآلاتية تلك التي تعطي الأولوية المطلقة للآلة قبل الكلمة، موسيقى تهتم بالنوتات الصاخبة والهادئة تهتم بالموسيقى القادرة على تفتيت الحواجز المكانية والزمانية موسيقى لا تحتاج إلى ترجمة او دليل وإنما تمتعك أو تحزنك لأنها تمس القلب والروح هكذا هي موسيقى الناي.
الموسيقى الآلاتية في تونس عادة ما تكون في الصف الثاني بعد الغناء لكن السنوات الأخيرة شهدت حركية كبيرة على مستوى العروض التي باتت الآلة فيها سيدة العرض لا الأغنية، ربما الثورة الموسيقية الآلاتية انطلقت مع رضا القلعي ومعزوفته الساحرة «جربة»، لتكون بعدها إبداعات تونسية على الآلة وتفتك مكانتها في المشهد الموسيقي وتصبح سيدة العرض ورمزه عوض صوت المغني وحضوره.
في الأعوام الأخيرة اكتسحت الموسيقى الآلاتية المشهد الموسيقي مع فنانين آمنوا بقدرة العازف على التميز وقدرة الآلة على صناعة عرض كامل ومتكامل، في الأعوام الأخيرة أصبح للآلة حضورها القوي والأساسي ولم تعد مكملا للأغنية وإنما هي قائدة العرض فأبدع محمد علي كمون على البيانو وصنع زياد الزواري عروضا مبهرة انطلاقا من نوتات الكمنجة وحقق عماد العليبي نجاحا عالميا بآلاته الايقاعية وكذلك محمد حاتم هميلة مجنون الإيقاع الذي احبّه وأبدعت بديعة بوحريزي بعزفها على القيثارة لتصنع منها عروضا موسيقية وتميز مصطفى مامي بالة الساكسوفون وصنع عروضا متميزة، واليوم للناي نصيبه من الابداع لتلك الالة الرقيقة نصيب لتكون قائد العرض الموسيقي وعنوان الاختلاف فيه، وعلى الناي أبدع رامي العرابي مواصلة لسيرورة موسيقية صنعها نبيل عبد المولى وحسين ميلود اللذين صنعا تميز آلة الناي ورامي العرابي المتحصل على الجائزة الثانية في مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا بالقاهرة يواصل ذلك النجاح ويصنع من الناي بكل أحجامه سيمفونية مميزة تقود جميع الآلات الموسيقية الأخرى وتصنع عرضا ممتعا ومبهرا.
احترموا الفن يا معشر الفنانين
يبدو أن احترام الفنان لزميله الفنان امر مرهق ومثقل للكاهل، فعرض روح امتع الجمهور الذي أنصت إلى الناي لكن اغلب الفنانين التشكيليين بمجرد حصولهم على ميداليات التكريم كثرت ضوضاؤهم فتركوا الساحة أولا وبعضهم اختار الوقوف بين الرّكح والجمهور لالتقاط صور «سيلفي» للذكرى؟ فهل يقبل الفنان التشكيلي ان يلوّث احدهم عملا ينجزه؟ الإجابة حتما «لا» فكيف يقبلون أن يفسدوا متعة الفنان الأخر وانتشائه مع جمهوره؟.
المهرجان والجمهور؟
المحرس متحف مفتوح مدينة للفنون التشكيلية ومدينة يترك الفنانون بصمتهم فيها، لكن لجمهور المدينة بعض التحفظات على المهرجان وأولها النقاشات والقراءات التي تحدث في قاعة مغلقة جمهورها محدود.
عروض الكورنيش من نقاط القوة
لمدة أسبوع وكورنيش المدينة ركح مفتوح للجميع، العروض الموسيقية التي انجزت على الكورنيش لاقت استحسانا جماهيريا وحضورا جد محترم، عروض تؤكد قيمة الفن في الفضاءات الخارجية وقدرة العروض على استقطاب الناس لمواكبتها، فالعروض الخارجية كانت من نقاط القوة للدورة الثانية والثلاثين لمهرجان المحرس للفنون التشكيلية.
ذكاء الطفل وعدم اهتمام المسؤول؟
في اختتام مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس قدمت الهيئة المديرة مجموعة من شهائد المشاركة والتكريم للاطفال، وبعدها بهنيهة قدمت شهائد المشاركة والتكريم للفنانين مصحوبة بميداليات مما أثار حفيظة احد الأطفال المشاركين وسأل الجميع «ياخي علاش أحنا الصغار ماعناش ميداليات»؟ سؤال وفطنة طفل صغير ربما يكون حافزا لإعادة النظر في التعامل مع الأطفال ومعاملتهم كما الكبار فهم جيل الغد وربما تفصيلة صغيرة قد تنفر الطفل من الفن.
الطفولة تتميز وتبدع
وفّر مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس مجموعة من الورشات للأطفال طيلة أيام المهرجان بمدرسة الامان، الأطفال فنانو المستقبل توافدوا على الورشات، بعضهم يرسم ويشاكس الألوان، وآخرون يصنعون من الطين ألعابا ممتعة وفريق ثالث يقبل على الفسيفساء يتعلم تقنيات قصها وكيفية وضعها على الرسم المطلـــوب، ورشات الأطفال من الفقرات القارة والمميزة في المهرجان، فالمهرجان يوفر للأطفال فرصة ليبدعوا ويوفر لهم الفرصة ليقبلوا على الفنون ويتذوّقوا سحر اللون ومتعة صناعة تحفة من اللاشيء، الأطفال بمختلف أعمارهم كانوا كزهرات متفتحة تشرئب للفن وللحياة.