مهرجان الفنون التشكيلية بالمحرس: مدينة الألوان تفتح أبوابها للحالمين ...

الألوان صامتة لكن الناظر إليها لا يسكن، الألوان صامتة لكنها تتراقص داخلك فتبعث فيك احاسيس الحياة تدفعك

إلى عشقها للوقوف أمامها طويلا.. تشعر أنها منك وتعبر عنك هكذا هي الألوان في مدينة المحرس.

فهنا تتراقص الالوان، في حضن البحر وزرقته الساحرة تختلط الوان الحياة مع ألوان الأمل لتكتب أجمل اللوحات، لوحات هي تعبيرة فنية مميزة تكتبها ريشات فنانين عشقوا الفن التشكيلي بكل مدارسه وانخرطوا فيه ليتركوا أثرهم في مدينة تفتح ذراعيها وتشرّع نوافذ الحلم لكل الفنانين فيزينون المدينة ويغادرونها تاركين اعمال فنية مميزة هي جزء من ذكرياتهم وذاكرة المحرس التي تعيش على وقع الدورة32للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية.

المحرس: المتحف المفتوح
هنا المحرس، هنا مدينة تبعد 350 كلم عن العاصمة تونس، هنا مدينة يحيط بها البحر راسما لوحة تشكيلية خاصة، هنا المحرس مدينة تشعرك انّك منها، في زيارتك الاولى تجدك مشدودا الى كل تفاصيلها، ستبحث عن تاريخها لتعرف انها عريقة حضاريا فهي من المدن التي مرت بها حضارات عديدة من الحجريين الى الرومان والبيزنطيين والوندال فالمسلمين وكل من مرّ بهذه الارض ترك بصمته التي كوّنت النسيج المعماري الفسيفسائي للمحرس، هذه المدينة منذ المدخل تجلبك اليها، يسحرك نظافة الشوارع وزرقة الأبواب والألوان الموجودة على اغلب الحيطان تقريبا.

هنا مدينة الفن التشكيلي بامتياز، هنا مدينة هادئة يحتويها البحر كطفلة رقيقة، زرقة الماء تعطي الزائر شعورا بالراحة، بعض سفن الصيادين تزين المكان ليصبح بدوره لوحة تشكيلية، هنا في هذه المدينة المميزة ولمدة اثنين وثلاثين عاما باتت المدينة متحفا مفتوحا لكل التلوينات الفنية بمختلف مشاربها ومدارسها، هنا المحرس لوحة فنية مفتوحة لكل عشاق الحياة، هي متحف مفتوح لكل عابري السبيل وكل عشاق الابداع، المحرس تتزين لتكون شعلة الفن ففي رحابها يراقص تاللون الريشة ليرسم الفنان تعبيرة تبقى راسخة لاعوام على جدران المدينة في حديقة الفنون «يوسف الرقيق» التي باتت قبلة لكل الحالمين والباحثين عن تفاصيل جديدة للابداع.

هنا المحرس المتحف المفتوح، ككل عام ينجز مهرجان الفنون التشكيلية مجموعة من التنصيبات والرسوما التي تبقى خالدة في المدينة تشهد بأنها مدينة الالوان بامتياز، منذ مدخل المدينة سيقابلك تمثال ضخم ازرق اللون ربما يكون سيد البحر او هو إله الزرقة والحياة شامخ شموخ سكان المدينة ولونه ممتع متعة وسحر المحرس، تنصيبات كبرى اختلفت احجامها ظلت شاهدة على ان المدينة قبلة للنحاتين والفنانين بكل تلويناتهم الابداعية.

شابان ينهمكان في تزيين الجدار، جدارية كبرى تمازجت فيها الألوان، صورة لامرأة تلبس الشّاشية التونسية، تضع الخمسة على رأسها وفي جبينها وشم امازيغي تتوسط دائرة كبرى نصفها رمادي والاخر مضيء، الصورة هي تونس التي تعاقبت عليها كل الحضارات التي شكّلت تركيبة المجتمع التونسي، الصورة هي المرأة التونسية الجميلة والقوية، المرأة «القمرة» كما رآها المبدعان وسيم شكو وسفيان بن عبد الله اللذين أبدعا في رسم جدارية تصرخ بألوان الحياة وتعبيرات الفرح والشموخ.

استعمال ألوان وطريقة مزجها على اللوحة هي رسالتها انّ هذا الوطن بكل تفاصيله مبهر.

ولانّ الفن خلود والفنان خالد طالما كان صادقا ولانّه غنى «الفن الفن، عمري للفن، لا نقول مالك ولا مالي، أنا الدنيا ما تحلالي إلاّ بالفن» بعث إلى الحياة عبر بورتريه ممتع يكاد يكون حقيقيا رسمه المبدع علي البرقاوي، رسم محمد الجموسي يحمل عوده ونوتات موسيقية تنبعث على كامل الحائط، لوحة بالأبيض والاسود لكنها تنطق بكل الوان البسيطة كأننا أمام «ماريا كريستينا « وهي تقول مفاتيح البيانو جميعها: إما بيضاء وإما سوداء، ولكنها تصدر أصواتًا توحي لك بملايين الألوان في عقلك»،لوحة لو ركزت قليلا مع سيمفونية البحر لشعرت أنها تخالج دقات قلبك وتراقص نبضك.

زرقة البحر تضيف سحرا على المدينة، زرقة الماء وتماهيها مع السماء الهمت علي البرقاوي وسعدية بركالله ولمياء الاندلسي ووسيم شكّو ليرسموا المدينة في جدارية كبرى ميزتها اللون الازرق بكل تدرجاته.

لازالت الجولة مستمرة ولازال لأهل المدينة نصيبهم من الإبداع، سنترك الحديقة المتحف ونواصل اكتشاف المدينة لنحط الرحال في سوق الحوت والدكاكين المحيطة به، فالسوق بات متحفا هو الآخر بفضل إبداعات أبناء المدينة وهنا انهمك عبد الحفيظ التليلي في التزيين واستعمال الخط العربي مطيته للحلم ولاستحضار كل تفاصيل الجمال.

سحر المدينة يلهم الفنان
تفاصيلها مبهرة، جمالها مميز مدينة ترحب بالزائر وتدفعه إلى التمتع بسحر الفنون وممارستها، مدينة اصبحت متحفا مفتوحا للجميع، مدينة اصبح الكورنيش فيها فضاء للتنافس من اجل الفن، مدينة تلهم الزائر ليعشقها ويرسمها، وضيفها فنان يزورها للمرة الاولى سحرته تفاصيلها، اخذت زرقة البحر لبّه وتماهى مع ابوابها وخصوصياتها المعمارية فعشقها ورسمها بالالوان تماهيا مع مقولة «فسيلي كاندينسكي»انّ الألوان هي القوة الوحيدة التي يمكنها التأثير مباشرة على الروح.

الفنان نبيل علي من العراق رسم المحرس في جدارية كبرى تجسّد صورة المحفل لرجل وامرأة كلاهما بالزيّ التقليدي وفي اللوحة الكبرى نقل تفاصيل المدينة رسم الأسماك بأشكال وأحجام مختلفة، نجد زينة الشبابيك و «البرمقلي» كذلك حلقات الأبواب مع استعماله لألوان يسيطر عليها الأزرق لون البحر وقليل من الاخضر لون الزياتين المنتشرة في المدينة مع ألوان تبعث الانشراح في الزائر، فالمدينة فسيفساء لونية هكذا راها نبيل علي ضيفها من العراق وهو فنان تشكيلي يقول دائما «لكل لوحة قصة ومزاج مختلفين ولكل لون احساس وطبيعة العمل تحدد الألوان المستخدمة وأيضا مزاج الفنان في تلك اللحظة» ووقوفنا أمام جداريته في المحرس وتلك الطاقة الجميلة التي تنقلها الألوان الزاهية يكشف أن المدينة عدّلت مزاجه وأوقعته في غرامها منذ لحظاته الأولى في ربوعها وهل هناك من يمتنع عن عشق مدينة الألوان والفنون؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115