عرض زهرة لجنف ضمن مهرجان ليالي العبدلية: متمرّدة تنثر شذى الحب على الموسيقى

شامخة شموخ اصلها، متشبعة بحبّ التراث البدوي الامازيغي والبربري نشأت مع قوّته وكما الجبال تشرف دوما من علياء

سمائها كاّنها فارسة لا تخشى ساحات الوغى وبنوتاتها وحنجرتها القوية تناضل في مسار فني مختلف وجدّ صعب يميزها.

هي زهرة الاجنف التونسية المتمرّدة تلك البربرية التي اكتسحت بصوتها قصر العبدلية الحفصيّ، تلك الثائرة الجامحة التي كتبت بنوتاتها أجمل الأغنيات وأينما حلّت كانت شامخة وقوية وأمام جمهور العبدلية ابدعت وكانت كشعلة حب أبدية.

حين تكون الموسيقى كينونة الفنان
هنا العبدلية قصر حفصي منيف تشرف على إدارته فنانة مميزة هي وحيدة الدريدي التي احيت القصر من صمته بانجاز مهرجان ليالي العبدلية، هذا القصر الجميل بات فضاء للحلم والسفر مع تلوينات موسيقية مختلفة وفي اليوم الثالث للمهرجان كان الموعد مع فنانة تونسية الروح بربرية الهوى عالمية الانتماء، فنانة لها لونها الموسيقي المميز ونجحت في خطّ مسار موسيقي ينطلق من التراث يتشبّع به ليشعّ على تلوينات الجاز والبلوز والسطمبالي والقناوة في التوزيع.

في حضن التاريخ وبهاء قصر البايات كان الموعد مع فنانة مختلفة، هي امرأة متمردة وفنانة تقدم موسيقاها الثائرة، زهرة الاجنف صاحبة الصوت القوي والاختيارات الممتعة، امرأة شامخة نوتاتها التي تقدمها، تعلّمت الإباء والعزّة من مدينتها قفصة لتصبح موسيقاها إلياذة للمقاومة، تناضل لتحافظ على الموروث الشفوي وتحفظ الذاكرة التقليدية تغني لحماية هويتها الموسيقية القفصية البربرية.

بحرام قفصي موشى بأجمل الألوان تظهر إلى جمهورها، «المقياس» الفضة العريض التقليدي يزين المعصم، والأقراط الكبيرة الحجم تزيد العنق بهاء، فتبدو كأنها أميرة بربرية الهوى تتزين لملاقاة معشوقها، زهرة الاجنف كعادتها تبهر المتفرج بلباسها البربري المختلف، فنانة لها طابعها الخاص في الحلي واللباس تنطلق من التراث البربري لتقدم لونا يميزها وطريقة لباس تحافظ على موروث جهتها في الحلي واللباس فتراث السند وقفصة وكامل الجنوب تجد آثاره في كلّ عروض الفنانة، فزهرة الاجنف تحافظ على كينوتنها وتعمل على الدفاع عن هويتها من خلال لباسها وموسيقاها وشعارها الدائم «التراث جزء مني فهو هويتي لذلك كان الفن رؤية لأعبر من خلاله عما يخالجني من إحساس تجاه كينونتي».

في العبدلية صدحت بصوتها القوي وغنّت لجمهورها باقة من أجمل أغانيها، حملتهم في رحلة في عوالم الصحراء مع أغنية «النجع» بصوتها وتماهيه مع الموسيقى نقلت جمهور العبدلية الى البادية الى الصحراء المترامية الأطراف وقرّبتهم من اهازيج الحياة هناك، لمحبيها غنت «جمل يهدّر» و»شامة» وغنت للمرأة أغنية امازيغية جزائرية لتكون الاغاني ذات منحى تراثي يقدم تراث الجنوب الشرقي وتكون الفنانة صوتا لكل المنسيين والحالمين، صوت جدّتها وصوت مدينتها وصوت تهدجات صوت امرأة عجوز تحفظ ذاكرتها بالقليل من الموسيقى وصوت هدهدة الطفل الرضيع جميع هذه الأحاسيس تختزلها زهرة الاجنف في اغانيها.

التراث ذاكرة والحفاظ عليه صون لهذه الذاكرة
التراث هو الذاكرة المشتركة، اغاني التراث اغلبها تنقل انعالات شخص ما أمام حدث ما، اغاني التراث جزء كبير منها يوثق لاحداث وصراعات لاجل الارض واخرى صراعات لاجل الحب وجزء ثالث لتوصيف المكان،التراث اذن كلّ هذه الذاكرة الجماعية المشتركة ومنه ولد حبّ زهرة الاجنف لهذا اللون الموسيقي فهي فنانة برتبة مناضلة منذ بدايتها تنبش في الذاكرة الجماعية للجنوب الشرقي وتعمل عليها لاحيائها والحفاظ على دوام بقائها، زهرة الاجنف ترفض أن يقال أنها مختصة في التراث لان تكوينها الاكاديمي يسمح لها بالانفتاح على كل التلوينات الفنية لكنها تعشق ذاك النمط وتدافع عنه.

زهرة الاجنف بلباسها المميز وأغانيها التي تختارها بدقة والتوزيع المختلف الذي تقدمه لكل اغنية تسعى إلى أن تكون صوت المكان وصوت المرأة الجنوبية، فاغنية «النجع» مثلا هي صورة محكية عن النجع واجتماعات سكان الصحراء وحياتهم، بصوتها ترافقهم وتنقل حكاياهم وتفاصيل عيشهم، و أغنيتها «اركزي عالرملة» أغنية من تراث تطاوين تصف المرأة البدوية، أغنية يكون فيها الطبل رديف الكلمات لتشعرك انك امام امرأة تلبس خلخالها وكلما ضربت على الرمل أحدثت زوبعة موسيقية تنقلها الة الطبل.

فالفنانة إذن صوت للمكان وللذاكرة تغني الكلمة الأصلية مع استعمال لمقامات جديدة فزهرة الأجنف لا تتوانى عن التنويع في الموسيقى المستعملة، تنطلق من ذاكرتها الجماعية لتجوب كل موسيقات العالم من القناوة الى الشاوي والقبايلي والموسيقى الإفريقية والسطمبالي والموسيقى الهندية كل هذه الأنماط وان اختلفت تجمعها العاشقة المتمردة لتكتب مسيرتها الفنية المميزة، تلك المسيرة التي تفتّحت فيها الزهرة ليفوح شذاها في سحر الذاكرة وتنعش الجمهور بأغان ساحرة أغان عن الحب والوطن، اغان تتشبث بالفكرة والأرض تقدمها فنانة حالمة ومتمردة تحيّر المستمع لثنايةو الوجيعة والفرح في صوتها وهي تغني البياتي والقبلي والركروكي فزهرة الاجنف صوتها صوت الذاكرة وعنوانها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115