عرض مسرحية حافظ ع النظام» لرباب السرايري في قاعة الريو: المسرح فعل نقدي والكوميديا تشرّح بؤس السياسة

المسرح والسياسة مترادفتان وان اختلفت مقوماتهما لكنهما تشتركان في معنى الفرجة والتاويل ، وفي قاعة الريو جمع الحبيب بلهادي ورباب السرايري

المسرح والسياسة في عمل كوميدي ساخر اسمه «حافظ ع النظام» عمل ينقد السياسي ويعرّيه من بهرجه ليقدمه عاريا دون افكار تحميه الى متفرّج متعطش الى الضحكة ذو قدرة على التأويل.

وحافظ ع النظام عمل كوميدي نقدي كتب نصه الحبيب بلهادي وأخرجته رباب السرايري، مسرحية من تمثيل جمال المداني ورباب السرايري واسامة كشكار ووجدي البرجي وسينوغرافيا لقيس رستم عمل نقدي يطرح اسئلة عن الانتخابات وكيفية عيش السياسي لمرحلة ما قبل الوصول الى كرسي الرئاسة.

الكوميديا نقد للسياسي وسخرية من افكاره
فوضى الانتخابات، الصراع لأجل الفوز بمنصب رئاسة الجمهورية والاهم الحفاظ على «الورثة العائلية» في حكم البلاد والعباد و تطبيق مقولة «مارضاء الله الا برضاء الوالدين» والوالدين «للّة» تحديدا تريد لابنها ان يحافظ على الارث ويكون الرئيس القادم فترسله اجباريا الى «لهلوبة» لتقوم بتوجيهه وتعليمه بعض الحركات و الوقفة و»وشوي فاحات» ليكون الرئيس المقبل في هذا السياق تكون احداث مسرحية حافظ ع النظام للمخرجة رباب السرايري.

ديكور بسيط، طاولة حولها ثلاثة كراس حمراء اللون ومربعات خشبية سوداء اللون، وبين الاحمر رمز السلطة والدم والسطوة والأسود رمز الظلام والخوف تكون احداث العمل والصراعات النفسية التي تعيشها الشخصيات.

فالمعلّم ذاك الطفل المدلل «ضعيف الذاكرة» والعاجز على مواجهة الاخرين لوحده ووالذي لا يقدر على تركيب جملة او وضع فكرة وكتابتها، ذاك الابن المدلل الذي لا يعرف غير اللعب واللهو و اللاشيء يريد ان يكون رئيس الدولة المقبل، ذاك الطفل المدلّل والسياسي غير الحكيم يريد مواصلة سياسة التوريث وبقاء شجرة العائلة في الحكم وهنا نقد مباشر لفكرة «التوريث» في الحكم اولا وثانيا نقدا للسياسيين فاغلبهم غير عارف بالسياسة ولا بابجدياتها، لا يعرف التاريخ ولا يفقه في الجغرافيا وإنما وضعتهم الصدفة في منصب ما.

في المسرحية يفتّت النص شخصية السياسي ويقوم بتشريحها، يعرّيها من لباسها ليكتشف الجمهور بؤس فكرها وسذاجته، يسلب عنها البهرج لتجدك امام البلاهة والاستسهال، يشرّح تفكيرها ويقوم بتشريح طريقة كلامها وطريقة التفكير ومحاولة اثبات الذات فتجدك امام شخصية كاريكاتورية مضحكة شخصية تدّعي الكمال والمعرفة والجاه وعلوّ الهمّة وهي لا تملك الا السفاسف و«الوالدين» و«التوريث».

في «حافظ ع النظام» تجدك امام عمل كوميدي ونقدي ساخر، عمل مضحك يطرح الاف الاسئلة عن السياسة والسياسيين، يضع المتفرج قبالة المرشحين للانتخابات الرئاسية ليعرّي بساطة تفكيرهم وعدم قدرتهم على المواجهة، العمل مضحك وفي الوقت ذاته نقدي بامتياز يرفض فكرة التوريث ويدافع عن دستورية القوانين ويؤكد ان تونس ليست ملكا للرئيس ولا عائلته «كلّم للة، قلها تحب بلاد على قياسك، بلاد بلا شعب ولا قوانين ، قضاء ضعيف ودون دستور» كما تقول لهلوبة في احد انفعالاتها وهي تخاطب المعلّم.

شخصيات كاريكاتورية تضحك وتطرح الاسئلة
ساعة من النقد والضحك، تماهى النص مع ابداع الممثلين لتقديم مسرحية ساخرة ونقدية، اختيار الشخصيات لم يأت من فراغ فلكل شخصية رمزيتها فلهلوبة (رباب السرايري) الكوتش التي ستتولى تعليم المعلم الصغير ابجديات الوصول الى كرسي الحكم هي انموذج عن كل شخص لا مبدأ عنده هدفه الاول الوصول الى اعلى المراتب و «ديما مع الواقف»، يتغير النظام ويتغير الرئيس وتبقى لهلوبة «واقفة» و «فاعلة» و»نافذة» لهلوبة شخصية تونسية موجودة في سدة الحكم وقريبة من الحكام القدامى والجدد هي عينة عمّن عملوا مع كل الانظمة ولكل نظام لباسه «بعد اربعطاش ترعبت، خفت وبعد 3 أيام عرفت ان شعبنا فيسع يتغشش وفيسع ينسى) وتضيف (قبل التوافق قمت بفرقة نحاسية غير مختلطة) وفي مرحلة التوافق اصبح النشاط «ليبيرالي، ديمقراطي، انصهاري، يساري ، توافقي، سلفي، محافظ» كلّ هذه المترادفات السياسية تجمعها الشخصية التي ابدعت الممثلة الشابة رباب السرايري في تقديمها فشخصية لهلوبة المركبة والمزدوجة تتطلب الكثير من الانفعالات النفسية وادعاء القوة ومحاولة اخفاء الضعف، تناقضات نقلتها تعابير الوجه والحركات بكل صدق وبراعة.

الشخصية الثانية «الطابو» (اسامة كشكار) اي الغطاء، هو الذاكرة الرقمية للمعلم، هو ذاكرته المتجددة والساهر على افكاره الافتراضية و اصدقائه الافتراضيين، ذاكرته التي لا تعرف الصدأ ولا تتعب، هو ابن الشعب، جزء منه اكثر ذكاء من مشغّله، يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب، شجاع ومختلف لكن انتماءه الى الطبقة المهمشة جعل منه شخصية ثانوية في العمل السياسي للمعلم وكأننا بكاتب النص يقول أن ليس كلّ مسؤول هو المتميز معرفيا وعلميا.

الشخصية الثالثة «قزاز» يجسدها الممثل المميز وجدي البرجي، ممثل شاب له قدراته الخاصة على الاضحاك فاسامة يضحك المتفرج وهو صامت فقط تعابير وجهه وطريقة حركته على الرقص تقدم الكثير من الرسائل النقدية للعمل.

أما الشخصية الرابعة والمحورية فهي «المعلم» (جمال المداني) ابن الرئيس الساعي الى خوض الانتخابات والفوز بكرسي الرئاسة، شخصية يتقن المداني تفاصيلها فهي تجمع الكثير من المتناقضات، ابن الرئيس وفي الوقت ذاته ليس له قرار ولا يستطيع قول «لا»، يريد الفوز بالرئاسة ويخاف من مواجهة المواطنين، شخصية جدّ مركبة تقمصها المداني وزادها من تفاصيل الوجه وعلامات الرعب التي صنعها على محياه لتضحك المشاهد وتقنعه، وحدها شخصية «المعلم» تسمى بالصفة دون اسم لتترك للمفترج حرية التاويل فالمعلم الساعي للحفاظ على كرسي الحكم قد يكون نجل رئيس الجمهورية التونسية، ربما هو سياسي اخر له احد افراد العائلة في الحكم ويريد خلافته، ترك الشخصية دون اسم الغاية منه ترك مساحة أكبر للتأويل فكثيرون هم السياسيون الحالمون بكرسي الحكم .

في حافظ ع النظام اتحدت العوامل الفنية والتقنيات السينوغرافية والجمالية مع ابداع الممثلين لتقدم عمل مسرحي خفيف الظل عمل ساخر وناقد يكشف عورات السياسيين ويدعو المواطن إلى الانتباه قبل انتخاب اي شخصية لتمثله فالسياسي له اكثر من قناع وجب كشف جميعها لمعرفة حقيقة برنامجه الانتخابي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115