لأنفسهم بتعريضها للهلاك حيث بادرت الى المهاجرة. وفي عرائس البقلي رحمه الله أن الله أراد ليونس معراجا ومشاهدة فى بطن الحوت فتعلل بالامر والنهى والمقصود منه القرابة والمشاهدة فأراه الحق في طباق الثرى في ظلمات بطن الحوت ما رأى سيّدنا محمد عليه السلام فوق العرش فلما رأى الحق تحير فى حاله فقال «لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين» أي نزهتك عما ظننت فيك فأنت بخلاف الظنون وأوهام الحدثان «اني كنت من الظالمين» أي فى وصف جلالك اذ وصفي لا يليق بعزة وحدانيتك فوقع هذا القول منه موقع قول سيد المرسلين حيث قال « لا أحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك» فلما رأى ما رأى استطاب الموضع فظن أن لا يدرك ما أدرك فى الدنيا بعد فغاب الحق عنه فاهتم ودعا بالنجاة فنجاه الله من وحشة بطن الحوت بقوله « فاستجبنا له» أي دعاءه الذي في ضمن الاعتراف بالذنب على ألطف وجه وآكده.
وفيه اشارة الى أنه تعالى كما أجاب يونس ونجاه من ظلمات عالم الأجسام كذلك ينجي روح المؤمن المؤيد منه من حجب ظلمات النفس والقالب والدنيا ليذكره بالوحدانية فى ظلمات عالم الأجساد كما كان يذكره في أنوار عالم الأرواح ويكون متصرفا في عالم الغيب والشهادة بإذنه خلافة عنه وعن الحسن ما نجاه والله الا إقراره على نفسه بالظلم.» انتهى كلامه بتلخيصٍ.
فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجّد من الليل أن يقول – بعد أن يُثني على الله عز وجلّ بما هو أهلُه : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. رواه البخاري ومسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه ، دِقَّـه وجِلَّه ، وأولَه وآخرَه، وعلانيتَه وسرَّه، رواه مسلم .
وقد أثنى الله على عباده الذين يَدعونه مُعترفين بالذنب فقال : «َاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ» .
وإنما كان سيدُ الاستغفار سيداً لتضمُّنه الإقرار بالذنب والاعتراف بالخطيئة مع العلم يقينا بأنه لا يغفر الذّنوب إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام : سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي فاغْفِرْ لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : من قالها من النهار مُوقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة . رواه البخاري. وأضاف بعض العلماء» فَلا يَرى العبد نفسه إلاَّ مُقَصِّرًا مُذنبًا، ولا يرى رَبَّه إلا مُحْسِنًا. اه. أي فلا يرى العبد نفسه إلا مُقصِّرا في حق ربّه وسيده ومولاه جل جلاله. ومن المعلوم أنَّ اعترَافَ العبد بِذنبِه واعترافه بأنه لا يَغفر الذنوب إلا الله من أسباب المغفرة،