دعاء ومعنى: اللهمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفسي ظُلْمًا-1-

دعاءُ اليَوم يَرويه سيدنا عَبد الله بن عَمْرو بن العاص، رضي الله عنهما، أنَّ أبَا بكر الصديق، رضي الله عنه، قال للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم،:

يا رسولَ الله، عَلّمْني دُعاءً أَدعو به في صلاتي. قَالَ: «قلِ اللهمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفسي ظُلْمًا كَثيرًا، ولا يَغفرُ الذّنوبَ إلاَّ أنْتَ فاغْفِر لِي مِن عِنْدكَ مَغْفرةً إنَّكَ أنتَ الغفور الرحيم» (رواه البخاري: 6839). 

في هذَا الحديث الفائق يَتَوجَّه الصدّيق الأكبر سيدنا أبو بكرـ رضي الله عنه إلى النَّبي، صلى الله عليه وسلم، ويسأله أَنْ يُعَلمه دعاءً يدعو به في صلاتِه فيجيبه حبيبه أنْ قُلْ: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وفي رواية ظلما كبيرا! فَهَذا الكلام تعليمٌ لسيدنا أبي بكرٍ وهو مَنْ هو في الفضل والصَّلاَح. وعن فَضائله نكتفي بما روى الإمام مسلم في صَحيحه (6333) عن أبي هريرةـ رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخلَ الجَنة». وسيدنا أبو بكر الصديق خير

هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنّة بلا خلاف، وفيه يقول تعالى: ثَانيَ اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، (التوبة: 40)، وهو من أجَلّ وأفضل أصحابه والمبشر بالجنة ومع هذا يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في دعائه: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا. هذا والإقرار بالذَنب سبيل إلى التوبة وسبب للمغفرة، ففي حديث سيد الاستغفار المشهور الذي رواه البخاري وفيه قوله صلى الله عليه وسلم «وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت». وفِي هذا الحديث أيضا إثباتٌ لاسمَيْنِ مِن أَسْمَاء الله -عزَّ وجَلَّ- وهمَا الغفور والرحيم. وَفَضْل هذا الدعاء لما فيه من التوسلات العظيمة بالله -عز وجل-: فأولا: فيه توسّل إلَى الله بالتقصير وظلم النَّفس وما في ذلكَ من التذلّل لجناب الله

والافتقار على بَابِ كَرَمِهِ. وثانيًا: فيه التوسّل بأنَّ هذا الظلمَ للنَّفس ظلمٌ كثيرٌ وما في ذلك من مَزيد الفرار إلى الله واللجوء إليه حتى يرفع ظلم النفس عن صَاحِبِهَا. ثالثًا: التوسّل باسمين من أسماء الله، وهما الغَفورُ والرّحيم فيصير الدعاء مناجاة وخطابًا وذكرًا لله بأسمائه الحسنى. رابعًا: التوسل بقوله: فاغفر لي مغفرة من عندك وهو طلب صريح للرحمة والمَغْفِرَة. خامسًا: التوسل بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله عز وجل وهو إقرار بأنه تعالى وحده الغفَّارُ التوَّاب على عباده. وأما قوله: (ظلمًا كثيرًا) وقوله: ولا يغفر الذنوب إلا أنت فهو من خصائص الله -تبارك وتعالى- قال سبحانه: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ فَلاَ يَقدر أحدٌ عَلَى مَغْفِرَةِ الذنوب إلا الله، سبحانه، سَوَاأ كان نبيًّا، أو ملكًا، أو إنسيًّا أو جنيًّا، وقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله: أنَّه أُتي بأسير للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اللهم إني أتوب إليك، ولا أتوب لمحمد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عَرَفَ الحَقَّ لأهله. فالله -تعالى- هو أهل التقوى وأهل المغفرة.

هذا وقد اشتملَ هَذَا الدعاء على الاعتراف بالذنب في قوله :اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً  ومع فضل أبي بكر رضي الله عنه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه هذا الدعاء ، ليكون نِبراسا للأمة يُقتَدَى بِهَدْيه ويتبع في السّلوك.
فالاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والصالحين . فـسيدنا آدمُ عليه الصلاة والسلام عصى ربه فتاب وأناب واعترف بالذّنب، فقال هو وزوجه : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

فكانت نَتَيجة ذلك الإقرار الصادق : ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى . قال عليه الصلاة والسلام : دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ - :  لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ. رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115