وفي هذا المعنى، يقول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ فَاتِحًا وخاتمًا وأعطيتُ جَوامِعَ الكَلم»، ومن المعلوم أنَّ سيدنا محمدا، عليه الصلاة والسلام، أعطاه الحق، سبحانه وتعالى، الكثير من النعم، ومنها أنه فاتح أبوابَ الرزق، فاتحٌ أبوابَ الرحمة، فاتحٌ قلوبَ المؤمنين، وفاتحٌ بصائرهم للحق.
2. وقد سماه الله تعالى فاتحًا بمعنى أنه فتحَ قلوبهم للهدى، وحَملهم على الشريعة المطهرة، ومنعهم من ظلم بعضهم البعض. وقد ذكرت كلمة «الفاتح» في القرآن الكريم، منسوبةً إلى الله تعالى، حيث قال الله تعالى: رَبَّنا افتَح بَينَنا وبين قَومنَا بالحَقِّ وأنتَ خَيرُ الفَاتِحين. (الأعراف: 89).
ويقول سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، في ثنائه على الله تعالى، وتعداد نعمه وفيوضاته التي لا تحصى : «وَرَفَعَ لي ذِكْري وجَعَلَني فاتحًا وخاتمًا». وقد فتحَ الله، سُبحانَه وتعالى، بالرسول، صلى الله عليه وسلم، أعينًا عميًا، وآذانًا صُمًّا، وقُلوبًا غُلْفًا، بمعنى أنه هدى القلوب إلى التوحيد، بعد أن كان الناس في الجاهلية غافلين عن الحق، ساعين في المضرة والفساد، لا يراعون ما أتى به من الرشاد، وكانت القلوب قاسيةً، لا رحمَةَ فيها، ولا لطفَ. وعندما جاء سيدنا، محمد، عليه الصلاة والسلام، تَبَدَّلت الأحوال وانفتح ما من القلوب مغلقًا.
فهو، صلى الله عليه وسلم فاتحٌ من القلوب أقْفَالَها، مانِحٌ للبصائر رُواءَها وجمالَها، ومضفٍ على الأرواح عِزها وجلالَها، طَيَّبَ بمقدمه الدنيا وزيَّنَ نوالَها. فتحَ ما أُقْفِلَ مِن أبْوابها، وما سُدَّ مِن مَسالكها وأسْبابِها، بما كان لَديْه من لطائف الأنوار ورقائق الأسرار. فصلاة الله وسلامه عليه ما تعاقبَ الليل والنهار.