كما قال تعالى في معنى الأحدية: ولَم يكن له كفوا أحد» (الإخلاص:4). وأوضح أحد العلماء أنَّ : «لأحدية هي الانفراد ونفي المِثْليَّة، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم، كما قال تعالى: لَيسَ كمثله شيء وهو السميع البصير» (الشورى:11)، فبين سبحانه انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى : هل تعلم له سميا (مريم:65)، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله».
وأمّا الصَّمَد فقال الامان الغزالي في شرحه: «في اللغة فهو بمعنى المقصود، وأيضا بمعنى الذي لا جوف له، والصمد في وصف الله تعالى هو الذي صمدت اليه الأمور، فلم يقض فيها غيره ، وهو صاحب الإغاثات عند الملمات ، وهو الذي يصمد اليه الحوائج ( أى يقصد). ومن اختاره الله ليكون مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم ، فقد أجرى على لسانه ويده حوائجَ خلقه، فقد أنعم عليه بحظ من وصف هذا الاسم ، ومن أراد أن يتحلى بأخلاق الصمد فليقلل من الأكل والشرب ويترك فضول الكلام، ويداوم على ذكر الصمد وهو في الصيام فيصفو من الأكدار البشرية ويرجع الى البداية الروحانية».
وأما قوله: «الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ» فهو تنزيهٌ لله عمّا قاله النصارى وادعوه من أنَّ الله اتخذَ ولدًا تعالى الله عن ذلكَ علوّا كبيرًا. ويضيف القرطبي في تفسيره: قوله: «لَمْ يَلِد» يقول: ليس بفان، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد «ولَمْ يُولَدْ» يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان، لأن كلّ مولود فإنما وُجد بعد أن لم يكن، وحدث بعد أن كان غير موجود، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل، ودائم لم يَبِد، ولا يزول ولا يفني.
وأما قوله: «وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُوًا أَحَدٌ» . ففيه نفي لوجود الشبيه والنظير. ولذلكَ قالَ ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: « ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ «: لم يكن له شبيه، ولا عِدْل، وليس كمثله شيء.
وبعد أن سمع الرسول، صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، هذا الدعاء عقب عليه بقوله: «قَدْ سَأَلَ بِاسْمِ اللَّهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أُعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ». وفي معنى اسم الله الاعظم ذكر العلماء أقوالاً كثيرةً نقتصر على واحد منها وهو جواز وصف كلّ اسم من أسمائه تعالى بكونه أعظم ، فيرجع إلى معنى عظيم فقالوا : لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض ، ونسب ذلك بعضُهم لمالك ؛ لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئلا يُظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل ، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم : العظيم ، وأن أسماء الله كلها عظيمة ، وعبارة أبي جعفر الطبري : « اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم والذي عندي : أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ، ولا شيء أعظم منه « ، فكأنه يقول : كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم ، فيرجع إلى معنى عظيم».
وما يستفاد من الحديث أنّ الذي علمه الرسول لصحابته هو أساسا المعرفة بالله والاستغراق في أوصافه الأحدية والتنوّر بمعاني كماله وآيات عظمته وهذا ما فهموه وبه تكلموا وعنه عبَّرُوا.