وقد وَرَدَ عن ابن دَحيَةَ قال: «المُتَوَكِّل هو الذي يَكِلُ (أي: يترُك) أمْرَهُ إلى اللهِ تعالى. وقال بَعضُهُم: التَّوَكُّلُ هو الاعتصام بالله، جلَّ عُلاه. وقال آخرونَ : حَقيقة التوَكُّل هو التعلق بالله على كلِّ حالٍ.
وقد سَمَّى الله تعالى رَسولَه الكريم، صلَّى الله عليه وسلم، في التوراة مُتَوَكِّلاً في قَوله :“أنتَ عَبدي ورسولي، سَمَّيتكَ المُتَوَكِّلَ، لَستَ بِفَظٍّ ولا غليظ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا تَجزي بالسيئة، ولكنْ تَعفو وتَصفَح .وإلى هذا المعنى، يَنظر قولُه تعالى:يا أيها النَّبي إنَّا أرسلناكَ شاهداً ومُبشرًا ونذيرا، ولا تكون الشهادَة ولا البِشارة والنَّذارة إلا بالتوَكُّل التام على الله تعالى.
ولقد أمر الله نَبِيَّه، عليه الصلاة والسلام، بالتوكل عليه في العديد من الآيات مثل قوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (الفرقان: 58).
يقولُ العلماء: «التوكل تَركُ تَدبير النفس، والانْخلاع عَن الحَولِ (أيْ: القُوَّة)، وهو ناتجٌ عن التوحيد الخالص والمعرفة اليقينية بالله. ولقد كانَ، صلَّى الله عليه وسلم، سيِّدَ المُتَوَكِّلينَ، لأنه سيدُ العارفين بالله على الاطلاق، وأعظمُ المُوحدين لَه، تَباركَ وتعالى لذلكَ اعتمدَ في كلِّ أعْمالِه وأحواله وأقواله على الله، ولَمْ يُتْرَكْ لِنفسهِ طَرْفَةَ عَينٍ، فكانَ ناطقًا عن الله، متكلما بهِ، فانيًا فيه، مُتَوَكِّلاً عَلَيه. فَصلى الله وسلم عليه إلى يوم الدين